الصين تستعرض عضلاتها…و تُعلن اصطفاف المحاور على أرضها
Screenshot
الصين تستعرض عضلاتها…و تُعلن اصطفاف المحاور على أرضها
أيمن شحادة – ليبانغيت
لم يكن العرض العسكري الذي أقامته الصين في ساحة تيانانمن بمناسبة مرور 80 عامًا على استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية مجرّد استعراض للقوة، بل كان رسالة سياسية مركبة وذات أبعاد استراتيجية تتجاوز حدود المناسبة التاريخية.
أولًا: البعد العسكري
الصين استعرضت أحدث ترسانتها من الأسلحة: صواريخ باليستية، طائرات مسيّرة، وأنظمة دفاع جوي متطورة. عبر ذلك، أرادت بكين أن تقول إنها لم تعد قوة اقتصادية فقط، بل قوة عسكرية مكتملة الأركان، قادرة على فرض معادلتها الجديدة من بحر الصين الجنوبي إلى مضيق تايوان.
ثانيًا: البعد الدبلوماسي
ظهور الرئيس الصيني شي جين بينغ محاطًا بفلاديمير بوتين وكيم جونغ أون لم يكن مشهدًا بروتوكوليًا عابرًا، بل إشارة متعمدة إلى اصطفاف ثلاثي يتحدّى النظام الدولي القائم. وجود روسيا المنخرطة في حرب أوكرانيا، وكوريا الشمالية المعزولة دوليًا، إلى جانب الصين، عكس استعداد بكين لتظهير تحالفاتها بعيدًا عن الدبلوماسية الناعمة وحدها.
ثالثًا: البعد التاريخي
اختيار مناسبة “انتصار الصين على اليابان” جاء كتذكير بأن الذاكرة التاريخية لا تزال أداة تعبئة سياسية. فالصين تعيد إنتاج خطابها القومي عبر ربط الماضي بالحاضر: من موقع “المحرر” في الحرب العالمية، إلى موقع “المنتصر” في مواجهة الغرب اليوم.
رابعًا: البعد الجيوسياسي
المشهد على منصة الشرف عكس توازنات جديدة:
-روسيا التي تبحث عن متنفس خارج العزلة الغربية.
-كوريا الشمالية التي تستمد شرعيتها من تحالفها مع قوتين عظميين.
-والصين التي تستفيد من هذا الاصطفاف لتعزيز مكانتها كقوة قائدة لمحور موازٍ للغرب.
من حضر؟
الحدث لم يكن صينيًا داخليًا فقط، بل منصة دبلوماسية عالمية. فقد حضر العرض حوالي 26 زعيمًا دوليًا إلى جانب رؤساء حكومات ومسؤولين من منظمات عالمية. أبرزهم:
-فلاديمير بوتين (روسيا) وكيم جونغ أون (كوريا الشمالية) اللذان شكلا المشهد الرمزي الأبرز إلى جانبي شي جين بينغ.
-قادة من جنوب وجنوب شرق آسيا مثل: إندونيسيا (برابوو سوبياتو)، ماليزيا (أنور إبراهيم)، باكستان (شهباز شريف).
-زعماء من آسيا الوسطى مثل كازاخستان وقرغيزستان.
-وممثلون من أفريقيا، الشرق الأوسط، وأميركا اللاتينية، إضافة إلى بعض الشخصيات الأوروبية.
أين إيران؟
إيران لم تغب عن المشهد. فقد حضر الرئيس مسعود بيزِشكيان العرض، ليبعث برسالة واضحة مفادها أن طهران تسعى لموازنة تحالفاتها. وجوده إلى جانب بوتين وكيم عكس موقع إيران في هذا التحول الدولي، واعترافها الضمني بالمحور الجديد الذي تقوده بكين.
دلالات الحضور والغياب
الحضور: دعم رمزي وواقعي، إذ أرادت الصين حشد شبكة واسعة من الحلفاء الجيوسياسيين، خصوصًا من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
الغياب: لافت جدًا، خصوصًا من الولايات المتحدة، أوروبا، اليابان والهند، ما أبرز الانقسام الدولي المتنامي بين محورين متقابلين.
الغياب المدروس: الهند وأميركا الجنوبية
الهند، رغم مشاركتها في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، اختارت أن تنأى بنفسها عن المنصة العسكرية في بكين. السبب يعود إلى حساسياتها الحدودية مع الصين ورغبتها في الحفاظ على توازن بين علاقاتها بالغرب وتحالفاتها الآسيوية. غياب مودي كان رسالة استقلالية أكثر مما هو مقاطعة.
أما أميركا الجنوبية، فحضرت بشكل رمزي عبر كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، بينما غابت قوى كبرى مثل البرازيل والأرجنتين. هذا الغياب يعكس حذرًا لاتينيًا من الاصطفاف في صراع الأقطاب، ورغبة في الاستفادة من الصين اقتصاديًا دون الانخراط في تحالف عسكري-سياسي ضد الغرب.
العرض العسكري في بكين لم يكن تظاهرة عابرة، بل لحظة حاسمة في رسم “خريطة التحالفات الجديدة”. بحضور بوتين وكيم والرئيس الإيراني إلى جانب شي، أعلنت الصين أنها لم تعد في موقع الدفاع، بل في قلب الهجوم السياسي والعسكري والرمزي. وفي عالم يتجه بسرعة نحو الانقسام بين قطبين — أميركي-غربي من جهة، وصيني-روسي-كوري ومن ينضم إليهم من جهة أخرى — أرادت بكين أن تقول إن القرن الحادي والعشرين لن يُدار من الغرب وحده، بل من منصة محاور جديدة آخذة في التشكل.