الصين تغيّر قواعد اللعبة: كيف تهدد الأسلحة الجديدة ميزان القوى العالمي؟
الصين تغيّر قواعد اللعبة: كيف تهدد الأسلحة الجديدة ميزان القوى العالمي؟
هادي كرنيب – ليبانغيت
لم يعد العرض العسكري في بكين مجرّد استعراض للقوة أو مناسبة وطنية، بل تحوّل إلى رسالة استراتيجية واضحة موجهة إلى الولايات المتحدة وحلفائها. فما ظهر على منصة العرض لم يكن مجرد صواريخ ودبابات، بل إعلان دخول الصين إلى نادي القوى العظمى المتكاملة عسكريًا، القادرة على تغيير معادلات الردع وقواعد الاشتباك في آسيا والعالم.
1- التراد النووي: الردع في ثلاثة أبعاد
للمرة الأولى، كشفت الصين عن ترسانة نووية متكاملة (Nuclear Triad) تتيح لها الرد من البر والبحر والجو:
DF-41 وDF-5C: صواريخ باليستية عابرة للقارات بمديات تصل إلى الأراضي الأميركية.
JL-3: أحدث صاروخ نووي يُطلق من الغواصات، يضمن للصين قدرة على الرد حتى في حال تعرضت لضربة أولى.
قاذفات H-6N: طائرات استراتيجية قادرة على حمل صواريخ نووية أو فرط صوتية.
هذا التطور يجعل أي حسابات أميركية للضربة الاستباقية محفوفة بالمخاطر، ويضع بكين في مصاف القوى النووية الكبرى جنبًا إلى جنب مع واشنطن وموسكو.
2- الصواريخ الفائقة السرعة: كابوس حاملات الطائرات
بينما يعتمد التفوق الأميركي تاريخيًا على حاملات الطائرات المنتشرة في المحيط الهادئ، جاءت الصواريخ الصينية فرط الصوتية لتقلب المعادلة:
DF-17: صاروخ باليستي مزوّد بمركبة انزلاقية فائقة السرعة (Hypersonic Glide Vehicle) يصعب اعتراضها.
YJ-21: الملقّب بـ”قاتل حاملات الطائرات”، بمدى يتجاوز 600 كم وسرعات تفوق Mach 10.
YJ-19: مزوّد بمحرك Scramjet، قادر على المناورة بسرعات عالية جدًا.
هذه المنظومات تجعل حاملات الطائرات أهدافًا هشّة، وتقلّص من قدرة الأسطول الأميركي على فرض السيطرة البحرية.
3. المسيّرات والأنظمة غير المأهولة: حرب المستقبل تبدأ من بكين
العرض العسكري أظهر مدى رهان الصين على المستقبل غير المأهول:
– طائرات GJ-11 الشبحية: تعمل كأجنحة مساندة للمقاتلات.
– غواصات مسيّرة AJX-002: قادرة على تنفيذ عمليات تجسس أو هجوم تحت الماء.
– روبوتات قتالية (Robot Wolves): للمراقبة، نزع الألغام، وحتى الاشتباك مع القوات المعادية.
بهذا، تحوّل الصين الحرب من معركة بين الجيوش التقليدية إلى ساحة مواجهة تسيطر عليها الخوارزميات والذكاء الاصطناعي.
4- شبكة Kill Web: دمج الذكاء الاصطناعي بالقوة النارية
واحدة من أخطر ما كشفته بكين هو شبكة Kill Web، وهي بنية متكاملة تربط:
– الأقمار الصناعية.
– الطائرات المسيّرة.
– الرادارات المتنقلة.
– أنظمة الذكاء الاصطناعي.
هذه الشبكة تجعل الصواريخ مثل DF-26 وDF-27 أكثر دقة وسرعة في إصابة الأهداف المتحركة (مثل السفن الأميركية). بخلاف “سلسلة القتل” الأميركية التقليدية، توفر “شبكة القتل” الصينية مرونة وقدرة أعلى على التكيف مع متغيرات ساحة المعركة.
5- مقارنة مع الغرب: من التفوق إلى اللحاق
رغم أن الترسانة الأميركية لا تزال الأضخم والأكثر تقدمًا تقنيًا، إلا أن الصين سبقت الغرب في مجالات حساسة. ففي التراد النووي، تمتلك واشنطن ترسانة مستقرة وقديمة، بينما الصين تبني قوتها بسرعة لتصبح قريبة من مستوى القوتين الأميركية والروسية. أما في مجال الصواريخ الفائقة السرعة، فقد تقدّمت بكين بشكل ملحوظ عبر منظومات مثل DF-17 وYJ-21، في حين لا تزال الولايات المتحدة تعمل على تطوير مشاريع مثل “دارك إيغل” التي لم تكتمل بعد.
وفي مجال المسيّرات، اعتمدت الصين على دمج القدرات البرية والبحرية والجوية في شبكة واحدة متكاملة، بينما تظل الولايات المتحدة متفوقة أساسًا في المسيّرات الجوية التقليدية. كذلك، فإن الصين كشفت عن شبكة Kill Web الذكية، التي تربط بين الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي وأنظمة الصواريخ، بينما لا تزال واشنطن في مرحلة تجريبية مع مشروعها الموازي المعروف باسم JADC2.
أخيرًا، على مستوى الردع الإقليمي، باتت الصين تشكّل تهديدًا مباشرًا لليابان وتايوان والقواعد الأميركية المنتشرة في غرب المحيط الهادئ، في حين يعتمد الغرب على وجود عسكري مكلف ومعرّض للخطر مع أي مواجهة كبرى.
6- الرسالة إلى أميركا والغرب
– إلى واشنطن: لم تعد الهيمنة البحرية والجوية كافية، وأي مواجهة مباشرة ستعني خسائر فادحة.
– إلى أوروبا: التوازن الجديد في آسيا سيؤثر على النظام الدولي كله، خصوصًا في ملفات التجارة والطاقة.
– إلى الحلفاء الإقليميين (اليابان، تايوان، كوريا الجنوبية): الاعتماد على الحماية الأميركية لم يعد مضمونًا.
من الردع إلى التوازن الجديد
الصين تقول للعالم:
“لم نعد مجرّد قوة اقتصادية صاعدة… نحن قوة نووية – تكنولوجية – عسكرية مكتملة الأركان.”
وبينما ترى واشنطن أن هذه الأسلحة تهدد نفوذها في آسيا، يعتقد محللون أن العالم مقبل على مرحلة “ردع متبادل” جديدة شبيهة بما جرى بين أميركا والاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة، لكن هذه المرة مع قوة آسيوية تتكئ على الاقتصاد والتكنولوجيا بقدر ما تتكئ على السلاح.