قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين: مفاوضات على حافة النووي والسلام لحظة مفصلية في السياسة الدولية
علي منصور
تتجه أنظار العالم إلى ولاية ألاسكا الأمريكية، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الجمعة. اللقاء، الذي يأتي في لحظة مشحونة بالتوترات الدولية، يحمل أبعادًا متعددة: من الحرب المستعرة في أوكرانيا، إلى مستقبل التوازن النووي بين أكبر قوتين عسكريتين في العالم.
إشارات بوتين: انفتاح محسوب أم تكتيك سياسي؟
في تصريحات لافتة، أشاد بوتين بما وصفه بـ”الجهود المخلصة” التي تبذلها الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مشيرًا إلى نشاط دبلوماسي “حقيقي” من إدارة ترامب. الأهم، أنه فتح الباب أمام احتمال التوصل إلى اتفاق جديد لمراقبة الأسلحة النووية، في ظل اقتراب انتهاء صلاحية معاهدة “نيو ستارت” في فبراير 2026.
لكن هذه الإشارات، رغم ما تحمله من نبرة إيجابية، قد تكون أيضًا جزءًا من لعبة تفاوضية أوسع، تهدف موسكو من خلالها إلى تحسين موقعها قبل أي اتفاق، وإرسال رسائل طمأنة — وربما ضغط — للعواصم الأوروبية.
خلفية استراتيجية: معاهدة “نيو ستارت”على المحك
منذ انهيار معظم اتفاقيات ضبط التسلح بين واشنطن وموسكو في العقد الأخير، بقيت “نيو ستارت” آخر خط دفاع ضد سباق تسلح نووي غير مقيد. المعاهدة تحد من عدد الرؤوس النووية الاستراتيجية المنشورة، وتفرض آليات تحقق متبادل. انتهاء هذه المعاهدة من دون بديل، يعني العودة إلى حرب باردة نووية بلا قيود، وهو ما يخشاه كثير من المراقبين في الغرب وروسيا على حد سواء.
الموقف الأوكراني والأوروبي: لا سلام على حساب كييف
على الضفة الأخرى، تتحرك كييف وحلفاؤها الأوروبيون لتثبيت خمسة شروط أساسية قبل أي تفاوض مع موسكو، أبرزها:
1-مشاركة أوكرانيا المباشرة في المحادثات.
2- وقف إطلاق نار متفق عليه وملزم.
3- ضمانات أمنية دولية.
4- عدم التنازل عن الأراضي المحتلة.
5- التزام عبر الأطلسي بمساندة أوكرانيا على المدى الطويل.
هذه المطالب تهدف إلى منع أي “صفقة كبرى” أمريكية – روسية تتجاهل مصالح أوكرانيا، وتعيد رسم خريطة المنطقة على حساب سيادتها.
ترامب: اختبار النوايا في دقائق
في أسلوبه المعتاد، قال ترامب إنه “سيعرف خلال دقائق” من لقائه مع بوتين ما إذا كان السلام ممكنًا. التصريح يعكس ثقته في قدرته على التفاوض المباشر، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات حول مدى عمق التزامات إدارته تجاه التفاصيل المعقدة لأي اتفاق مستدام.
الأبعاد الجيوسياسية: ما وراء السلام
قمة ألاسكا ليست مجرد حدث دبلوماسي؛ إنها اختبار لمعادلات القوة الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة الثانية. نجاح القمة قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون الحذر بين موسكو وواشنطن، لكنه قد يثير أيضًا مخاوف أوروبية من أن تصبح القارة القديمة مجرد ساحة مساومة بين العملاقين.
أما الفشل، فقد يسرّع من الانزلاق نحو تصعيد عسكري أوسع، سواء في أوكرانيا أو في سباق التسلح النووي.
بين التفاؤل والحذر
بينما يترقب العالم نتائج هذا اللقاء، يبقى السؤال الأهم: هل ما يطرحه بوتين هو بداية تحول استراتيجي حقيقي، أم مجرد مناورة سياسية قبل جولة جديدة من التصعيد؟
الجواب سيتضح قريبًا في ألاسكا، لكن المؤكد أن ما يُحاك هناك سيتردد صداه في كييف، وبروكسل، وبكين، وربما في كل عاصمة تمتلك ما يكفي من المخاوف النووية لتبقى مستيقظة ليلًا.