البرازيل تحاكم “ترامب الجنوب”: إدانة بولسونارو صفعة لنفوذ واشنطن

البرازيل تحاكم “ترامب الجنوب”: إدانة بولسونارو صفعة لنفوذ واشنطن
أيمن شحادة -ليبانغيت
أدانَت المحكمة العليا في البرازيل الرئيس السابق جايير بولسونارو، وحكمت عليه بالسجن 27 عامًا وثلاثة أشهر بتهم تتعلّق بالتآمر لقلب النظام والبقاء في الحكم بعد خسارته انتخابات 2022. الحكم تاريخيّ ويجعل بولسونارو أوّل رئيس برازيلي سابق يُدان في قضية اعتداء على الديمقراطية، مع بقاء مسارات الاستئناف مفتوحة وإجراءات التوقيف الجارية عليه.
ارتداد خارجي سريع: غضب أميركي ورسائل ضغط
أثار الحكم ردودًا أميركية حادّة؛ إذ لوّح وزير الخارجية ماركو روبيو بـ“ردّ” أميركي واعتبر ما جرى “مطاردة سياسية”، فيما ردّت برازيليا بأنّ هذه التصريحات اعتداء على سيادتها واستقلال قضائها. كما سجّل المشهد دفاعًا صريحًا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن حليفه البرازيلي. النتيجة المباشرة: توتّر دبلوماسي متصاعد بين واشنطن وبرازيليا.
لماذا يطال الحكم نفوذ واشنطن؟
يُعتبر الحكم ضربة لمدرسة ترامب في أميركا الجنوبية؛ فقد كان بولسونارو أقرب النسخ “الترامبية” في نصف الكرة الجنوبي. إدانته تُضعف رمزًا شعبويًا مواليًا لواشنطن سياسيًا وقيميًا، وتُعزّز سرديّة حكومة الرئيس البرازيلي لولا عن “تحصين الديمقراطية” بعيدًا عن الاستقطاب الأميركي.
كما أنّ تحييد بولسونارو يعطي هامشًا أوسع لسياسة خارجية مستقلّة؛ فكلّما تراجع نفوذ التيار المقرّب من واشنطن داخل البرازيل، اتّسع هامش برازيليا في ملفات حسّاسة (العلاقات مع الصين وروسيا ضمن البريكس، الموقف من أوكرانيا وفلسطين، واتفاقات الطاقة والمعادن النادرة) من دون كوابح داخلية تتهمها بـ“الانحراف عن الغرب”. هذا استنتاج يستند إلى طبيعة الاصطفافات التي ظهرت خلال المحاكمة وردودها الإعلامية.
كما شكّل الحكم رسالة مؤسّساتية قوية إلى الجيش والمحافظين، بشموله مسؤولين عسكريين حلفاء للرئيس المحكوم، ما يردع أي مغامرة مستقبلية ويُعيد اصطفاف المؤسسة العسكرية خلف الدستور، وهو ما يحدّ من قدرة واشنطن على الرهان على “رجال أقوياء” محليين لإعادة توجيه السياسة عند الأزمات.
مستقبل العلاقة بين برازيليا وواشنطن يبدو معقّدًا؛ فمع أنّ مسار الاستئناف القضائي قد يطول، إلا أنّ الأثر السياسي لإدانة بولسونارو ظهر فورًا عبر رفع كلفة دعمه على الولايات المتحدة ومنح حكومة لولا شرعية مضاعفة لتوسيع مبادراتها المستقلّة داخليًا وخارجيًا. وفي المقابل، فإنّ تلويح واشنطن باستخدام أدوات ضغط تجارية أو دبلوماسية انتقائية قد ينقلب عليها، إذ يُحتمل أن يوحّد الموقف البرازيلي بمختلف أطيافه خلف القضاء الوطني، بما يعزّز نزعة الاستقلالية عن الإملاءات الخارجية.
لم يكن الحكم على بولسونارو مجرّد نهاية مسار قضائي؛ إنّه منعطف جيوسياسي يُضعف إحدى قنوات النفوذ الأميركي غير الرسمية في أكبر اقتصاد لاتيني، ويمنح برازيليا مساحة أوسع لسياسة خارجية متعدّدة الأقطاب. وإذا ذهبت واشنطن إلى مزيدٍ من الضغط العلني، فهي تُخاطر بتحويل ملف داخليّ برازيلي إلى استفتاء على الاستقلال عن الإملاءات الخارجية—استفتاء تميل نتائجه اليوم لصالح برازيليا.