الحمدلله على تحرير الأندلس من الإحتلال العربي … من قرطبة إلى غزة: كيف حفظت إسبانيا كرامتها وفقدها العرب

 الحمدلله على تحرير الأندلس من الإحتلال   العربي … من قرطبة إلى غزة: كيف حفظت إسبانيا كرامتها وفقدها العرب

الحمدلله على تحرير الأندلس من الاحتلال العربي…

من قرطبة إلى غزة: كيف حفظت إسبانيا كرامتها وفقدها العرب

علي منصور – ليبانغيت

الحمدلله… نعم الحمدلله، على أن الأندلس تحررت من الحكم العربي قبل أكثر من خمسة قرون. لو كانت ما تزال في قبضتنا حتى اليوم، لكان موقفها من غزّة نسخة طبق الأصل عن مواقفنا: صمت، تواطؤ، بيانات إنشائية، وربما بعض “قلق” دبلوماسي يوزّع بالمجان على شاشات الأخبار.

إسبانيا اليوم تخوض معركة غزّة في قلب أوروبا. الدولة الغربية الوحيدة التي قررت أن تقول لإسرائيل: كفى. منعت دخول المسؤولين المتورطين بالإبادة، جرّمت بيع السلاح لتل أبيب، ورفعت صوتها عاليًا في وجه آلة القتل. إسبانيا، التي خرجت من تحت “الاحتلال العربي” منذ قرون، باتت أكثر شرفًا في نصرة فلسطين من كل عواصم العرب الذين يدّعون السيادة والعروبة.

فلنتخيّل للحظة أن الأندلس ما تزال عربية… كيف كان سيكون موقفها؟ غالبًا كالمواقف العربية “الشقيقة”: تصريحات باردة، دعوات إلى التهدئة، وتنسيق أمني خلف الكواليس مع من يذبح أطفال غزّة. كان يمكن أن تتحوّل قرطبة إلى نسخة عن بعض عواصمنا التي لا ترى في الدم الفلسطيني سوى عبء دبلوماسي يجب التخلص منه. وربما لشبونة كانت ستنافس بعض “العواصم الخليجية” في فتح الأجواء أمام الطائرات الإسرائيلية، بينما إشبيلية قد تكتفي بعقد “قمم عاجلة” لإنتاج بيانات خشبية عن التهدئة و”ضبط النفس” و”وقف العنف من الطرفين” وكأن المأساة مباراة كرة قدم تحتاج إلى حكم محايد. أما غرناطة، آخر الممالك العربية في الأندلس، فربما كانت ستلعب دور “الوسيط النزيه” الذي يساوي بين الضحية والجلاد، ويتباهى بقدراته على استقبال المؤتمرات الفارغة التي لا تُنقذ طفلًا واحدًا من تحت الركام.

إنها المفارقة التاريخية الموجعة: أوروبا التي طُردنا منها باسم الدين والسياسة، هي نفسها التي يقف بعض أبنائها اليوم إلى جانب غزّة، بينما أحفاد “الخلافة العربية” يطأطئون رؤوسهم، يتنافسون في من يقدّم أوراق الاعتماد الأسرع إلى تل أبيب وواشنطن.

الحمدلله على تحرير الأندلس… لأنه لولا ذلك، لكان سجلّها السياسي اليوم ملحقًا بسجلّ العار العربي. وإسبانيا، التي استردت أرضها لتصون كرامتها، تُعطينا درسًا جديدًا: أن الكرامة لا تُقاس بالشعارات، بل بالفعل. وها هو فعلها اليوم يُعرّي كل هذا الخضوع والخنوع العربي في زمن غزة.

الأندلس تحررت… فحافظت على كرامتها. أما نحن فما زلنا نعيش احتلالًا من نوع آخر: احتلال الخوف، واحتلال التبعية، واحتلال العجز أمام دم غزّة النازف. لعلّ في مفارقة التاريخ هذه رسالة: إن تحررت فلسطين يومًا، فلن يكون ذلك بفضل عروبتنا الذليلة ، بل  أولاً بفضل من قاوموا وقاتلوا واستشهدوا من أبناء فلسطين، وثانياً بفضل   من امتلكوا شجاعة الأندلسيين حين اختاروا الكرامة على الذلّ والخنوع والخضوع .

مقالات ذات صلة