الدبلوماسية اللبنانية: صورة العجز في رفع صورة !

 الدبلوماسية اللبنانية: صورة العجز في رفع صورة !

الدبلوماسية اللبنانية: صورة العجز في رفع صورة !

علي منصور – ليبانغيت

كان الجنوبيون ينتظرون من رئيسهم أن يرفع صور أطفال بنت جبيل الذين قتلتهم إسرائيل على منبر الأمم المتحدة خلال إلقائه لخطابه، صورة واحدة كان يمكن أن تهزّ الضمائر وتكشف أمام العالم حقيقة الجرائم التي تُرتكبها اسرائيل بحق الأبرياء، لكن الرئيس لم يفعل، والفرصة ضاعت كما ضاعت قبلها الفرص.

ففي لحظة كان من الممكن أن تتحوّل فيها المنصّة الأممية إلى محاكمة سياسية وأخلاقية للاحتلال، اكتفى الرئيس بخطاب باهت، بلا صور ولا مشاهد ولا رموز، وكأنّ دماء الأطفال لا تكفي لكتابة سطر صادق يهزّ القاعة. لقد كان بإمكانه أن يضع العالم أمام مشهد لا يُمحى من الذاكرة، لكنه اختار المألوف من الكلمات، فمرّ الخطاب كأنه لم يكن.

صورة واحدة كانت ستكفي لإخراج لبنان من عزلة البيانات التقليدية ، وإعادته إلى واجهة الرأي العام الدولي، لكن غيابها فضح عمق الأزمة: دبلوماسية عاجزة، وخطاب رسمي فقد القدرة على استثمار التضحيات. لم يكن المطلوب معجزة، بل شجاعة سياسية تلتقط اللحظة وتحوّلها إلى ورقة قوة في معركة الوجود.

وما حصل في نيويورك لم يكن سوى فصل من مسلسل الفشل ذاته، إذ سرعان ما ظهر العجز بأوضح صوره مع استبعاد الرئيس اللبناني عن القمة العربية – الإسلامية التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقادة المنطقة لمناقشة وقف الحرب على غزة. الاستبعاد لم يكن صدفة، ولا نتيجة خلل تقني في الدعوات، بل كان قراراً مقصوداً، وإرادة أميركية صريحة بعدم منح لبنان مقعداً على الطاولة.

المفارقة أنّ لبنان، الذي يتعرّض يومياً لاعتداءات إسرائيلية على أرضه، غُيّب بالكامل عن قمةٍ خُصصت لمناقشة الحرب على غزة. فكيف يُستبعد بلد يعيش بدوره تحت القصف والتهديد والإحتلال ، وتُترك قضيته خارج أي نقاش إقليمي أو دولي؟ والأدهى أنّ ترامب نفسه لا يعترف بوجود حرب يومية على لبنان، وكأنّ الغارات المتواصلة على الجنوب لا تقع، وكأنّ الدماء التي تسيل من  الحدود إلى الحدود ليست أكثر من تفاصيل ثانوية لا تستحق الذكر. وهكذا، غاب صوت لبنان الرسمي عن الأمم المتحدة، وأُسقط حضوره عن القمة العربية – الإسلامية، ليجد نفسه متفرّجاً على طاولات الآخرين، فيما هو جزء أساسي من مشهد الحرب المفتوحة في المنطقة.

إنّ غياب صورة أطفال بنت جبيل عن منبر الأمم المتحدة، كما غياب كرسي لبنان عن القمة العربية – الإسلامية مع ترامب، ليسا حادثتين منفصلتين، بل وجهان لأزمة واحدة: فشل الدبلوماسية اللبنانية في تحويل المأساة إلى قوة، وفي فرض حضورها حيث يجب أن تكون في قلب النقاش. الصورة التي لم تُرفع والكرسي الذي تُرك فارغاً على طاولة ترامب، كلاهما يختصران عجز الدولة عن تمثيل شعبها وإيصال صوته.

وفي لحظة تاريخية كان يمكن أن يضع لبنان العالم أمام مسؤوليته، اختار رئيسه الصمت الموارب والكلام المستهلك. والنتيجة: صورة باهتة في نيويورك، وكرسي فارغ في القمة العربية – الإسلامية. وبين الاثنين، يظل الدم اللبناني شاهداً على دولة تفشل في الكلام كما تفشل في الفعل.

مقالات ذات صلة