الذهب الغارق… كيف غيّر مسار الاقتصاد الأميركي؟

 الذهب الغارق… كيف غيّر مسار الاقتصاد الأميركي؟

 

الذهب الغارق… كيف غيّر مسار الاقتصاد الأميركي؟

خاص- ليبانغيت

حين غرقت سفينة S.S. Central America عام 1857 في المحيط الأطلسي، لم يبتلع البحر أرواح 425 شخصًا فقط، بل ابتلع معها ثروة تقدَّر بحوالي 9 أطنان من الذهب، أي ما قيمته قرابة 4 ملايين دولار بأسعار ذلك الزمن.

القيمة الحقيقية اليوم: ذهب + فوائد

إذا نظرنا إلى هذه الكمية بسعر الذهب اليوم (حوالي 3,500 دولار للأونصة)، فإنها تتجاوز مليار دولار. لكن القصة لا تنتهي هنا: لو احتُسبت قيمة هذا الذهب مع فوائد مركبة متواضعة بنسبة 4–5% سنويًا على مدى 168 عامًا، فإن المبلغ كان سيتحوّل إلى مئات المليارات من الدولارات، أي أشبه بثروة سيادية كانت قادرة على تغيير مسار الاقتصاد الأميركي منذ القرن التاسع عشر.

ماذا لو وصل الذهب؟

لو وصلت تلك الشحنة إلى نيويورك في 1857، لكان أثرها مختلفًا جذريًا:

1-منع أزمة 1857: الذهب كان سيعزز السيولة في البنوك، ما يمنع الانهيار المالي الكبير المعروف بـ Panic of 1857. ولو تجنّبت أميركا تلك الأزمة، لكان مسارها الاقتصادي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أكثر استقرارًا.

2-تسريع صعود وول ستريت: وصول السيولة كان سيُسرّع من نشوء قوة الأسواق الأميركية، لتتحول نيويورك إلى مركز مالي عالمي أسرع مما حدث فعليًا.

3-تعزيز القوة الصناعية: الأموال الإضافية كانت ستدعم الاستثمارات في سكك الحديد والمصانع، ما يجعل أميركا تدخل القرن العشرين بقاعدة صناعية أقوى بكثير.

4-انعكاس طويل المدى: لو تحوّل الذهب إلى أصول واستثمارات تراكمية، لربما كانت الولايات المتحدة اليوم في موقع اقتصادي لا يضطرها إلى صراع مرير مع الصين للحفاظ على صدارتها كأكبر اقتصاد عالمي.

5-التأثير الجيوسياسي: أميركا التي كان يمكن أن تكون أكثر غنى منذ القرن التاسع عشر، ربما كانت ستختصر عقودًا من الهيمنة الاقتصادية والعسكرية، وتدخل الحربين العالميتين بميزان قوى مختلف تمامًا.

الذهب الغارق في أعماق الأطلسي لم يكن مجرد سبائك مفقودة، بل كان فرصة تاريخية ضاعت. قيمته اليوم، مع الفوائد المركبة عبر 168 عامًا، كانت كفيلة بأن تمنح الولايات المتحدة رصيدًا ماليًا هائلًا يسرّع نموها الصناعي والمالي، ويجعلها تدخل القرن العشرين بثقل اقتصادي أكبر.

وربما لو وصل ذلك الذهب في وقته، لكان الاقتصاد الأميركي أكثر متانة اليوم في مواجهة التحديات الكبرى، من صعود الصين إلى أزمة الديون، ولكان النقاش الحالي يدور حول كيفية الحفاظ على التفوق بدل الخشية من فقدانه.

مقالات ذات صلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *