العراق أمام امتحان الانتخابات: شرعية على المحك

العراق أمام امتحان الانتخابات: شرعية على المحك
بغداد – إسماعيل العياشي
لم تكن قرارات مفوضية الانتخابات العراقية باستبعاد مئات المرشحين من السباق البرلماني المقرر في 11 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل خطوة إجرائية عابرة، بل بدت وكأنها شرارة قد تغيّر مسار العملية الانتخابية برمّتها. فبينما تقول المفوضية إنها التزمت بالقانون واعتمدت على تقارير الجهات القضائية والأمنية، يرى خصومها أنّ معايير الاستبعاد ـ من “الارتباط بالبعث” إلى “حسن السلوك والسمعة” ـ فُصّلت على مقاس لإقصاء قوى معينة، خاصة المستقلين والتيارات المدنية.
أزمة ثقة متراكمة
العراقيون يدخلون هذه الانتخابات أصلاً بحالة من الشكوك العميقة في جدواها؛ فالاحتجاجات الشعبية التي اندلعت منذ سنوات كشفت عن أزمة تمثيل وفجوة واسعة بين الشارع والطبقة السياسية. واليوم، تأتي قرارات الاستبعاد لتغذّي هذا الشعور بأنّ اللعبة محسومة سلفاً، وأنّ القوى النافذة لا تريد السماح بظهور منافسين قد يهددون حصصها في البرلمان المقبل.
المقاطعة كسلاح سياسي
ردود الفعل لم تتأخر: أحزاب وشخصيات سياسية أعلنت نيتها الانسحاب أو المقاطعة، معتبرة أن ما يجري “إعدام مسبق” للتنافس. وهنا يكمن الخطر الأكبر، إذ أنّ مقاطعة واسعة ستجعل الانتخابات أقرب إلى استفتاء داخلي للقوى الممسكة بالسلطة، من دون غطاء شعبي واسع أو تعددية حقيقية.
شرعية على المحك
الانتخابات في أي بلد ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي ركيزة شرعية النظام السياسي. فإذا شعر الجمهور أنّ الاستبعاد يستخدم كأداة لتصفية حسابات سياسية، فإنّ البرلمان المقبل ـ حتى لو تشكّل بأغلبية واضحة ـ سيبقى مطعوناً بشرعيته. هذا قد يفتح الباب أمام موجات جديدة من الاحتجاجات، أو يُعمّق حالة اللامبالاة السياسية، وكلاهما يهدد استقرار العراق الهش.
بين القانون والسياسة
يبقى السؤال الأبرز: هل أرادت المفوضية بالفعل تطبيق القانون بحذافيره، أم أنّ القانون استُخدم كغطاء لقرارات سياسية؟ الإجابة غير محسومة بعد، لكن ما هو مؤكد أنّ العملية الانتخابية دخلت في منطقة رمادية بين الشرعية القانونية والشرعية الشعبية، وهو خط فاصل قد يحدّد شكل العراق السياسي في المرحلة المقبلة.
المشهد الانتخابي العراقي يقف اليوم أمام أكثر من احتمال:
1. الاستمرار في النهج الحالي: إذا مضت المفوضية بقراراتها من دون تعديل، فالأرجح أن تتوسع دائرة المقاطعة، ما يفرغ الانتخابات من مضمونها ويحوّلها إلى عملية شكلية لا تمنح النظام السياسي شرعية كافية.
2. تراجع جزئي أو طعون ناجحة: قد ينجح بعض المرشحين في كسب الطعون أمام القضاء، فتُعاد أسماؤهم إلى القوائم الانتخابية. هذا السيناريو قد يخفف من حدّة الأزمة، لكنه لن يمحو آثار الشكوك العميقة لدى الجمهور.
3. تسوية سياسية بضغط داخلي وخارجي: القوى النافذة قد تلجأ إلى مخرج سياسي يضمن مشاركة أوسع، خصوصاً إذا ارتفعت الضغوط الدولية أو تصاعدت المخاوف من اضطرابات أمنية. مثل هذه التسوية قد تعيد بعض التوازن لكنها ستُظهر بوضوح أنّ “الشرعية” في العراق ليست فقط مسألة صناديق، بل أيضاً توازنات معقّدة بين الشارع والقوى الحاكمة.
بهذا، تصبح الانتخابات المقبلة ليست مجرد اختبار لإرادة الناخب العراقي، بل امتحاناً لمشروعية العملية السياسية نفسها: هل تبقى أداة لتجديد الثقة بالنظام، أم تتحوّل إلى محطة تكشف هشاشة شرعيته أمام أعين الداخل والخارج؟