ترامب… من جائزة نوبل إلى وزارة الحرب

 ترامب… من جائزة نوبل إلى وزارة الحرب

ترامب… من جائزة نوبل إلى وزارة الحرب

علي منصور – ليبانغيت

لا يتوقف دونالد ترامب عن تقديم نفسه كرجل سلام يستحق جائزة نوبل، لكنه في الواقع يثبت العكس كل يوم. فمنذ وصوله إلى الحكم، لم تكن خطواته إلا سلسلة من الحروب المباشرة، والتهديدات العسكرية، والضغط على الدول الضعيفة لفرض خياراتها بما يخدم مصالح واشنطن.

فهو يقف سدًّا منيعًا أمام أي إدانة للحرب الإسرائيلية على غزة في مجلس الأمن، في حين يفاخر بدعمه الكامل لتل أبيب في حربٍ خلّفت عشرات آلاف الضحايا من المدنيين. وهو نفسه الذي قاد حملة التصعيد ضد إيران، وانقلب على المحادثات معها ليشنّ عليها حرباً عسكرية بالشراكة مع إسرائيل . ففي أميركا اللاتينية، لم يتردد بتهديد بنما بالضم بالقوة إذا لم تفسخ شراكتها مع الصين، وفرض حصارًا بحريًا واقتصاديًا خانقًا على فنزويلا شمل تهديد السفن المتجهة إليها، وكأن المحيطات ملك خاص لواشنطن. وحتى طموحه في ضمّ جزيرة غرينلاند كشف عقلية التوسع التي تحكمه.

لكن كل هذه الوقائع تبقى أقل رمزية من خطوته الأخيرة: توقيعه قرارًا بتغيير اسم “وزارة الدفاع” إلى “وزارة الحرب”. الاسم وحده يكفي ليعكس شخصية الرجل وفلسفته السياسية. فهو لا يرى في القوة العسكرية وسيلة ردع، بل أداة هيمنة وتوسّع وإخضاع. هذه ليست مجرد لعبة لغوية، بل إعلان صريح عن هوية الرجل ، الذي يريد لأميركا أن تعود إلى صورتها كإمبراطورية لا تُردع.

عقيدة أميركية جديدة؟

السؤال اليوم: هل يبقى هذا القرار مجرد تغيير شكلي، أم أننا أمام تحوّل في العقيدة القتالية الأميركية نفسها؟ عندما يصبح “الدفاع” رسميًا “حربًا”، فهذا يعني أن الولايات المتحدة تتصرّف على أنها في مواجهة دائمة مع الجميع، وأن الدبلوماسية لن تكون سوى استثناء أمام قاعدة اسمها الهجوم.

التاريخ يؤكد أن أسماء الوزارات ليست تفصيلًا لغويًا عابرًا. حين يتحول  “الدفاع” إلى “الحرب”، فهذا يعني إعادة صياغة الذهنية التي تُدار بها القوة الأميركية، من حماية الأمن القومي إلى فرض السيطرة بالقوة العسكرية، من منطق الردع إلى منطق العدوان.

كيف يقرأ الخصوم هذه الخطوة؟

الصين وروسيا وإيران تتابع هذه التحولات عن كثب. بالنسبة لبكين، القرار دليل إضافي على أن واشنطن لا تفكر إلا بمنطق المواجهة، ما يعزز قناعتها بضرورة بناء تحالفات موازية تكسر الهيمنة الأميركية. أما موسكو، فهي تجد فيه تأكيدًا على صحة سرديتها بأن الغرب لا يريد الأمن بل الحرب، ما يبرر سياساتها التوسعية. فيما ترى طهران أن التسمية الجديدة ليست سوى غطاء شرعي لعداء معلن ضدها وضد كل من يرفض الخضوع لإملاءات البيت الأبيض. بهذا المعنى، يتحول تغيير الاسم إلى وقود إضافي لصراع المحاور بدل أن يكون مجرد إجراء بيروقراطي.

من قيادة النظام إلى تحديه

الخطوة التي اتخذها ترامب تأتي في لحظة يتراجع فيها الدور الأميركي كقوة قائدة للنظام العالمي. فبينما تنغمس واشنطن أكثر في لغة الحرب والتهديد، تتسع مساحة خصومها لتشكيل بدائل صاعدة مثل مجموعة “البريكس”، التي تقدّم نفسها كإطار اقتصادي وسياسي مضاد للهيمنة الأميركية. ومع كل تصعيد أميركي، تبدو هذه التحالفات أكثر تماسكًا وجاذبية للدول الباحثة عن نظام دولي متوازن. وهكذا، فإن “وزارة الحرب” قد لا تعكس فقط عقلية ترامب، بل أيضًا صورة أميركا الجديدة: قوة عسكرية مفرطة، لكنها محاصرة بتآكل نفوذها وتنامي البدائل.

ترامب الذي يطالب بجائزة نوبل للسلام، يترك خلفه سجلًا حافلًا بالحروب والتهديدات والصدامات. وأي سلام يمكن أن يصدقه العالم من رجل يفاخر بالحروب ويمهّد لمزيد من النزاعات؟

إنه ليس رجل سلام، بل رجل حرب متنكر بثوب السلام. ومن يصرّ على لقب “الحائز على نوبل”، عليه أولًا أن يتخلى عن شهوة الدم والهيمنة. أما أن يجمع بين “جائزة السلام” و”وزارة الحرب”، فتلك مفارقة لن يبتلعها التاريخ.

مقالات ذات صلة