حين ألهانا باراك عن جرائم إسرائيل بحق الصحفيين في غزّة

 حين ألهانا باراك عن جرائم إسرائيل بحق الصحفيين في غزّة

علي منصور – ليبانغيت

لم يكن الكلام الذي تفوّه به توماس باراك في قصر بعبدا مجرّد زلّة لسان أو هفوة بروتوكولية. الرجل الذي قدّم نفسه مبعوثاً “حاملاً رسائل سلام”، لم يجد وسيلة للتعبير عن مكنوناته سوى بتوجيه إهانة مباشرة للصحافيين اللبنانيين، أولئك الذين يقفون يومياً على خطوط النار حاملين أقلامهم وكاميراتهم كدروع في وجه العواصف. لكن المفارقة أنّ الضجّة التي أثيرت حول إهانة باراك للصحافة اللبنانية، كانت كافية لصرف الأنظار عن المشهد الأكثر إيلاماً: ما تفعله إسرائيل بحق الصحافيين في غزة. فبينما انشغلنا بالردّ على إساءات رجل تاجر  أميركي من “لا أصل” لبناني ، كانت الطائرات الإسرائيلية تحوّل صحافيين فلسطينيين إلى جثث هامدة تحت الركام، أو إلى أرقام جديدة في لائحة الشهداء.

الصحافة في غزة لم تعد مجرد مهنة لنقل الخبر، بل صارت خط مواجهة أول. الصحافي هناك يعرف أنّ كلما رفع الكاميرا صوب السماء أو صوب مبنى يتهاوى، صار هدفاً مشروعاً لصاروخ إسرائيلي. وإسرائيل لا تقتل الصحافيين مصادفة، بل كجزء من استراتيجيتها: إسكات الصوت الذي يفضح، وطمس الصورة التي تحرج، ومحاولة اقتلاع الذاكرة قبل أن تُوثّق. فأيّ إهانة أكبر؟ أن يتلفّظ باراك بكلمة سفيهة داخل قصر بعبدا؟ أم أن يُقتل عشرات الصحافيين في غزة لمجرّد أنهم مارسوا واجبهم المهني؟ باراك أساء بالكلام، لكن إسرائيل أمعنت في القتل. باراك أراد استفزاز الصحافة اللبنانية، لكن إسرائيل أرادت اغتيال الحقيقة نفسها.

وحين صرخنا في بيروت دفاعاً عن كرامة الصحافة، كان الأولى أن نصرخ أضعاف ذلك من أجل أرواح الصحافيين الفلسطينيين. فكرامة المهنة لا تُجزّأ، وحريّة الكلمة لا تُقاس بحدود. وإذا كان باراك قد كشف بعجرفة لسانه احتقاره لأصحاب القلم والكلمة، فإن إسرائيل عرّت منذ زمن طويل احتقارها المطلق لكل قيمة إنسانية. لقد ألهانا باراك عن الحقيقة المرّة، وجعلنا ندور في جدل بروتوكولي حول “إهانة في بعبدا”، بينما الحقيقة تتدفّق بالدم من غزة: هناك حيث الصحافة تُقصف بالصواريخ لا بالكلمات، وحيث الشهداء من أهل الكلمة أكبر شهادة على أنّ إسرائيل تخشى الصورة أكثر مما تخشى الصواريخ.

مقالات ذات صلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *