قناصة من شيكاغو وميونيخ… عائلة غزّية تُباد تحت عدسات الطائرات

قناصة من شيكاغو وميونيخ… عائلة غزّية تُباد تحت عدسات الطائرات
ليبانغيت
تحقيق استقصائي مشترك قادته صحيفة الغارديان البريطانية، بالتعاون مع شبكة الصحافيين العرب للتحقيقات (ARIJ)، وPaper Trail Media الألمانية، ودير شبيغل وZDF، يضع إصبعه على جرح غزّة النازف: عائلة فلسطينية أُبيدت برصاص قناصة جاؤوا من وراء البحار… من شيكاغو وميونيخ.
من هم القناصة؟
– دانيال راب: إسرائيلي – أميركي، نشأ في ضواحي شيكاغو، ترك مقاعد الدراسة والتحق بالجيش الإسرائيلي.
– دانيال غريتز: إسرائيلي – ألماني، وُلد في ميونيخ، وحمل معه جواز السفر الأوروبي حين جاء ليخدم في وحدة النخبة “الوحدة الشبح”.
في يوم 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، اعتليا مبنىً من ستة طوابق في تل الهوى – غزة، وتمركزا على بُعد 400 متر من حيّ سكني، ليحوّلا شرفة صغيرة إلى منصة إعدام.
كيف كُشف السر؟
هنا تكمن المفارقة
– صور المسيّرات الإسرائيلية لم تكن مسرّبة من الجيش نفسه، بل حصل عليها فريق التحقيق عبر مصادر تقنية مستقلة تمكّنت من اعتراض البثّ اللاسلكي للطائرات بدون طيار، ثم التحقق منها بمضاهاة التوقيت والمكان مع روايات الشهود.
– أما صور الأقمار الصناعية فجاءت عبر مزوّدي خدمات مدنيين في أوروبا والولايات المتحدة (شركات تجارية تبيع بيانات عالية الدقة)، ما أتاح إعادة رسم مسرح الجريمة بدقة، من موقع القناصين إلى حركة الضحايا في الشارع.
العائلة الضحية
في غضون ساعات قليلة:
– الأب منتصر الدغمش سقط برصاصة في صدره.
– محمد وسالم، ولديه، قُتلا أثناء محاولتهما إنقاذه.
– محمد فريد، ابن العم، لحق بهم.
وأُصيب اثنان آخران من العائلة بجروح. أربع جثث تمدّدت في الشارع أمام كاميرات الدرون، بينما القناصة يوثّقون “نجاح المهمة”.
اعترافٌ يرقى إلى الإدانة
المذهل أن القناص الأميركي – الإسرائيلي راب لم يُنكر، بل تفاخر: قال إنه أطلق النار على سالم فقط لأنه حاول سحب جثة أخيه. أي أن الهدف لم يكن “مسلحًا” ولا “خطرًا عسكريًا”، بل مجرد شابٍ يريد ستر جسد أخيه.
هل يمكن محاكمتهما؟
هنا يبدأ التعقيد
– من الناحية القانونية: ما ارتُكب يُعتبر جريمة حرب صريحة. استهداف المدنيين أثناء محاولتهم إخلاء الجثامين مخالف للقانون الإنساني الدولي. وهذا يفتح الباب أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
– لكن العقبة أن إسرائيل لا تعترف بالمحكمة، والولايات المتحدة ترفض أي ولاية قضائية على مواطنيها. مع ذلك، يبقى القنّاصان عرضة للتوقيف إذا دخلا أي دولة أوروبية عضو في المحكمة – باستثناء ألمانيا، التي قد تتلكأ بسبب جنسيتها المشتركة مع “غريتز”.
– في أميركا، راب قد يعود دون ملاحقة. لكن القانون الدولي يتيح للمحاكم الفيدرالية النظر في جرائم حرب إذا رُفعت دعاوى مدنية من ذوي الضحايا.
القراءة السياسية
التحقيق لم يفضح مجرد حادثة فردية، بل كشف عن نمط ممنهج: قناصة يستهدفون رجالًا عزّل فوق 18 عامًا باعتبارهم “مشتبهين دائمين”، في خرق متعمد للقانون. هذه ليست “أخطاء حرب”، بل استراتيجية رعب تهدف إلى تفريغ المجتمع من عماده البشري.
ما وراء التحقيق
– وصول صور المسيّرات وأقمار صناعية تجارية إلى يد الصحافيين يفضح هشاشة “السرية العسكرية” الإسرائيلية. كأن الجيش الذي يقتل على مرأى الكاميرات فقد القدرة على إخفاء جرائمه.
– تورّط مزدوجي الجنسية (أميركيين وألمان) يضع حكومات الغرب في مأزق: كيف تسمح لمواطنيها بأن يتحوّلوا إلى قناصة يقتلون المدنيين ثم يعودون محصّنين بجوازاتهم الغربية؟
قصة “راب” و”غريتز” ليست مجرد مأساة عائلية في غزة. إنها شهادة موثّقة على جريمة حرب دولية، شارك فيها جواز أميركي وجواز ألماني وبندقية إسرائيلية. والسؤال الآن: هل سيظلّ هؤلاء القتلة محصّنين بجنسياتهم الغربية، أم أن التحقيقات التي بدأت من غرفة صحافية ستتحوّل يومًا إلى مذكرات توقيف في لاهاي؟