لا مناصفة إذا سقطت الميثاقية … فهما وجهان لدستور واحد

لا مناصفة إذا سقطت الميثاقية … فهما وجهان لدستور واحد
علي منصور – ليبانغيت
قد يظنّ البعض أنّ الدستور اللبناني وحده يكفي لضبط عمل الدولة. الأرقام واضحة: نصاب الجلسات نصف زائد واحد، والقرارات الكبرى تحتاج إلى ثلثي الوزراء. لكن ماذا لو انسحب وزراء طائفة أساسية بأكملها؟ الدستور، بحرفه الجامد، يقول إنّ الحكومة باقية. أما لبنان، بتركيبته الدقيقة، فيقول: بلا الميثاقية، لا شرعية لأي حكومة.
الميثاقية هنا ليست شعارًا، بل قاعدة وجودية. فمنذ الميثاق الوطني عام 1943، اتُّفق أنّ الكيان اللبناني لا يقوم على الغلبة العددية، بل على المشاركة الحقيقية بين المكوّنات.
دروس من التجربة: السنيورة نموذجًا
عام 2006، استقال وزراء “الثنائي الشيعي” من حكومة فؤاد السنيورة. قانونيًا ظلّت الحكومة قائمة، لكن مَن تجرّأ يومها وقال إنّها شرعية حقًا؟ تحوّلت إلى حكومة لون واحد، معزولة عن شريحة كاملة من اللبنانيين. الشرعية الدستورية لم تُنقذها، لأن الشرعية الميثاقية كانت غائبة. والنتيجة: سنتان من الفراغ والشلل، انتهتا بالدوحة، أي بالعودة إلى قاعدة الشراكة.
هذا المثال وحده يكفي لإثبات أنّ تجاوز الميثاقية يفتح الباب على أزمات لا تُحل إلا بالرجوع إليها.
الميثاقية: ضمانة الشراكة
الميثاقية صمّام أمان يحمي لبنان من حكم الغلبة. في بلد متعدّد كالفسيفساء، لا يمكن أن تُدار الدولة بالأرقام وحدها. الميثاقية تعني أنّ كل طائفة أساسية شريك كامل، لا يُلغى دورها بالتصويت ولا يُختصر برقم. هي ليست بدعة ولا تقليدًا، بل الشرط الأول لوجود الكيان.
حين تُكسر الميثاقية، يشعر مكوّن كامل بأنّه خارج الدولة، وحينها تنهار الثقة وتسقط المؤسسات. أي دولة تبقى حين يُقصى ربع شعبها أو ثلثه من القرار؟
الميثاقية والمناصفة: وجهان لعملة واحدة
منذ اتفاق الطائف، أُقرّت المناصفة بين المسلمين والمسيحيين كقاعدة أساسية في تكوين السلطة. هذه المناصفة لم تُبنَ على الغلبة العددية ولا على الحساب الديموغرافي، بل على قاعدة الميثاقية التي تضمن الشراكة الكاملة بين الطوائف.
لكن هنا تكمن المفارقة: كيف يمكن لفريق أن يتمسّك بالمناصفة كحق مكتسب، ثم يتجاهل الميثاقية ويعتبرها مجرّد تفصيل؟ المناصفة نفسها ليست سوى ترجمة للميثاقية. فإذا أُسقِطت الميثاقية من الحساب، سقطت المناصفة معها، وساعتها لن يبقى إلا ميزان الأعداد والديموغرافيا.
الخاتمة: إمّا الاثنين معًا… أو لا شيء
لا يستطيع أحد أن يأخذ نصف المعادلة ويُلغي النصف الآخر. الميثاقية والمناصفة متلازمان، كجناحين لطائر واحد. إن أنكرتُم الميثاقية، سينكر الشيعة المناصفة و ستسقط عاجلاً ام آجلاً ، ولْنَعُد عندها إلى لعبة الأرقام والديموغرافيا. وحينها، لن يكون لأحد أن يشتكي من موازين الأعداد ، لأنه هو من قرّر أن يُسقط روح لبنان التي قامت على التوازن لا على الأعداد .