ماذا تعني “صفقات الخليج” لسياسة واشنطن واقتصاد الإقليم؟

 ماذا تعني “صفقات الخليج” لسياسة واشنطن واقتصاد الإقليم؟

ماذا تعني “صفقات الخليج” لسياسة واشنطن واقتصاد الإقليم؟

أيمن شحادة – ليبانغيت

1) هندسة نفوذٍ سريع بميزانيات الآخرين

تتعامل إدارة ترامب مع التعهدات الخليجية الضخمة كأداة قوةٍ بالوكالة: إعادة تموضع الصناعات الأميركية (طيران، دفاع، رقائق، طاقة) من دون إنفاقٍ فيدرالي كبير. سياسيًا، يُسوَّق ذلك كـ“نصر اقتصادي” داخلي، وخارجيًا كتعزيزٍ لدور واشنطن في أمن الخليج في مواجهة الصين وروسيا. لكنّ جزءًا معتبرًا من هذه الأرقام هو مذكرات تفاهم وليست عقودًا مُلزِمة، وهو ما نبّهت إليه تقارير مستقلة شكّكت في إجمالي “التريليونات” المعلنة مقارنةً بما هو محدّد فعليًا في صفقات قابلة للتنفيذ.

2) توازنات ثلاثية: واشنطن – بكين – العواصم الخليجية

– السعودية تحتاج شراكات تكنولوجية ونقل خبرة لرؤية 2030، لكنها توازن علاقتها بين أميركا والصين؛ تحويل التعهدات إلى مصانع فعلية داخل الولايات المتحدة يرسّخ تبعيةً تكنولوجية لواشنطن ويحدّ من هامش مناورتها مع بكين.

– الإمارات تدفع بقوة في الذكاء الاصطناعي والبنية الرقمية وتريد منفذًا آمنًا للتقنيات الحسّاسة الأميركية؛ واشنطن تستعمل “الصفقات” كرافعة لوضع شروط امتثال وضوابط تصدير تحدّ من التداخل مع الصين (الهواتف، السحابة، الموانئ، شبكات 5G).

– قطر تمزج بين طيرانٍ مدنيٍّ ضخم وقدرات غاز طبيعي مُسال؛ التركيز الأميركي على الطيران والدفاع يجعل الدوحة عقدة ربط بين أمن الطيران المدني ومنظومات الحماية من المسيّرات—ملف تتنافس فيه شركات أميركية مباشرة مع صينيين وأوروبيين.

3) إعادة شحن القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية

تستخدم واشنطن هذه الالتزامات لملء دفاتر طلبيّات بوينغ ولوكهيد وريثيون وGE، بما يدعم الطاقة الإنتاجية الدفاعية (سلاسل توريد، خطوط تجميع، أشباه موصلات للطيران) ويخفّف تكاليف الوحدة على البنتاغون عبر اقتصادات الحجم. لكنّ الضغط التشريعي (الكونغرس، مراجعات الأمن القومي، ضوابط التصدير) قد يُبطئ تحويل النوايا إلى تسليمٍ فعلي. هنا يظهر التباين بين العناوين والتنفيذ الذي رصدته رويترز والواشنطن بوست.

4) نفطٌ وغازٌ و“بترو-دولار” 2.0

جزء من الرهان الأميركي أن تستمر فوائض الخليج في تمويل الاستثمار داخل الولايات المتحدة (طاقة، ألومنيوم، بتروكيماويات، مرافئ، تخزين كربون)، ما يرسّخ الدولار ويُضعف محاولات التسعير البديل للطاقة. في المقابل، تُسعّر العواصم الخليجية ولاءها الأمني عبر عوائد صناعية ملموسة، لا عبر سندات خزانة فقط. هذا التحوّل من “محافظ مالية” إلى ملكية أصول تشغيلية داخل أميركا هو جوهر الرسالة السياسية للبيت الأبيض—والسبب الذي يجعل العناوين الضخمة مغرية حتى إن كانت معظمها غير مُلزِمة بعد.

5) المخاطر التنفيذية في الإقليم

– مواءمة الجداول الزمنية: مشروعات مصانع الرقائق والطيران تمتد 3–7 سنوات؛ أي تغيير في أسعار الفائدة، أو تشريعات أميركية/أوروبية (قيود تصدير، منشأ تكنولوجي)، قد يجمّد أجزاء من الالتزامات.

– التوترات الجيوسياسية: هجمات البحر الأحمر، حرب غزة/إيران، وتذبذب أسعار الطاقة تُعيد ترتيب أولويات الإنفاق الخليجي بين الدفاع والسيولة الاحتياطية.

– تسييس الصفقات: تغيّر الإدارات في واشنطن أو مواقف الكونغرس قد يضيف شروطًا جديدة (حقوق إنسان/استخدام نهائي)، وهو ما سبق أن خفّض “القيمة الصافية” لبعض الإعلانات، بحسب تغطيات صحافية نقدية.

6) قراءة ختامية وسيناريوهات

– سيناريو القفزة: تتبلور حزمة فرعية قابلة للتنفيذ (طيران مدني، مكوّنات دفاع جوي، استثمارات طاقة وصناعات تحويلية في ولايات أميركية محددة). النتيجة: نفوذ أميركي أدسم في سلسلة القيمة الإقليمية، وتثبيت واشنطن كحارس التكنولوجيا المتقدمة.

– سيناريو التآكل: يتقلّص الحجم الفعلي إلى مئات المليارات مع ترحيل الباقي؛ تبقى الصين منافسًا رئيسيًا في البنية التحتية والذكاء الاصطناعي، وتحتفظ العواصم الخليجية بهوامش توازن أوسع.

– سيناريو الصدمة: تصعيدٌ إقليمي أو ركودٌ عالمي يعيد توجيه الفوائض الخليجية نحو السيولة بدل الاستثمارات طويلة الأجل، فتنكمش “التريليونات” إلى صفقات انتقائية فقط.

مؤشرات تستحق المتابعة

1. نشر جداول تسليم فعلية من بوينغ/لوكهيد/ريثيون.

2. قرارات مواقع مصانع جديدة داخل الولايات المتحدة بأسماء شركاء خليجيين.

3. موافقات تصدير الكونغرس ووزارة التجارة على تقنيات حسّاسة (AI/رقائق).

4. الإقفالات المالية (Financial Close) لمشروعات الطاقة والمعادن داخل أميركا.

الخلاصة

هذه الصفقات—حتى لو تضخّمَت أرقامها في البيانات الصحافية—تُستخدم كأداة استراتيجية: واشنطن تشتري نفوذًا صناعيًا-تكنولوجيًا في الخليج، والخليج يشتري ضمانات أمنية ونفوذًا داخل الاقتصاد الأميركي. مقدار ما سيتحوّل منها إلى مصانع وشحنات وتسليمٍ فعلي سيحسم أيّ سيناريو من الثلاثة سيسود.

مقالات ذات صلة