ماذا يعني إطلاق القمر التجسّسي الإسرائيلي «أوفيك-19» للمنطقة؟

 ماذا يعني إطلاق القمر التجسّسي الإسرائيلي «أوفيك-19» للمنطقة؟

 

ماذا يعني إطلاق القمر التجسّسي الإسرائيلي «أوفيك-19» للمنطقة؟

محمد منصور – ليبانغيت

أضافت  إسرائيل طبقة جديدة من “العيون الدائمة” فوق الشرق الأوسط بإطلاقها «أوفيك-19»، وهو قمر راداري (SAR) عالي التطوّر يُصوِّر ليلًا ونهارًا وفي كلّ الأحوال الجوية. أُطلق عند10:30 ليل 2 أيلول/سبتمبر 2025 من محيط قاعدة بالمخيم وسط إسرائيل على صاروخ «شافيت»، ودخل المدار وبدأ الإرسال بنجاح. في الرؤية الإسرائيلية هو “مُضاعِف قوّة” سيساند مراقبة متزامنة لجبهات عدّة، مع توجّه لاستثمار مليارات الشواكل في بناء كوكبة أقمار خلال العقد المقبل.    

لماذا هذا مهم؟ لأن رادار الفتحة الاصطناعية (SAR) لا “يُعطلّه” الليل أو السحب والغبار، ويمنح إسرائيل معدل مرور/زيارة أعلى ونقاط مراقبة متكررة فوق مسارح العمليات الحسّاسة، ما يقلّص “الثغرات الزمنية” بين صورة وأخرى. (تصنيف SAR مؤكد رسميًا ،  التفاصيل الدقيقة للدقة والارتفاع لا تُنشَر عادة).   

لبنان: ضغط استخباري أعلى على الجنوب… وقرارات أدقّ للنيران

– ماذا يتغيّر ميدانيًا؟ قدرة أوضح على تتبّع أنماط الحركة قرب الخط الأزرق، مواقع إطلاق الصواريخ المحمولة، نقاط المراقبة والتموين، ومسارات الإخلاء والتموضع بعد الرمايات. النتيجة المتوقّعة: قرارات ضرب أدقّ وأسرع مدعومة بدمج صور SAR مع مصادر أخرى (مسيرات، إشارات، بشرية).

    على مستوى “إدارة المواجهة”: صور متكرّرة تعني تقييم أضرار الغارات بسرعة (BDA) وتحسين اختيار الأهداف في عمق الجنوب والبقاع الغربي عند الضرورة، مع مراقبة الموانئ والطرق الساحلية (من الجو لا من الأجواء اللبنانية مباشرة، فالأقمار تمرّ في الفضاء الدولي).

– هامش المناورة المقابل: تاريخيًا، واجهت التنظيمات هذا النوع من العيون بوسائل “مضادّة للاستخبار” (تمويه وانضباط اتصالاتي وتقليل البصمة الحرارية والكهربية والتحتية/الأنفاق). توقّع كلفة أعلى للخطأ التكتيكي في العراء أو في أنماط التكرار الروتيني.

سوريا: مراقبة كثيفة لممرّات الإمداد والدفاع الجوي

– الاستمرارية: تُحسّن صور SAR كشف التغيّر على الأرض (Change Detection): شحنات، منصّات، ورش نقل/تجميع، أو إعادة تموضع رادارات وسواريخ دفاع جوي. هذا يُسرّع حلقة “اكتشاف-تثبيت-اشتباك-تقييم” في الضربات التي تنفّذها إسرائيل داخل سوريا، ويُقلّل الاعتماد على نوافذ الطقس أو الضوء.

– إدارة المخاطر: قدرة تقييم الأضرار بسرعة تقلّل الحاجة إلى تكرار الضربات على الهدف نفسه، لكنّها قد تزيد وتيرة الضربات المتفرّقة على أهداف أصغر وأكثر تنقّلًا.

إيران: رسالة ردع واستعداد دائم بعد “حرب 12 يومًا”

– إسرائيل تُصرّح بأن أقمارها وفّرت خلال الحرب القصيرة مع إيران هذا العام نحو 12 ألف صورة، وتعتبر «أوفيك-19» امتدادًا لقدرة “المراقبة الدائمة” على المنشآت النووية، قواعد الصواريخ، والبنى اللوجستية. عمليًا: نوافذ أقلّ للإخفاء تحت الغيوم والعواصف الرملية، ومتابعة أدقّ لـ“نمط الحياة” حول المواقع الحسّاسة.   

– أثر ذلك سياسيًا: يعزّز موقف الردع الإسرائيلي ورسائله للجمهور الداخلي (“أعيننا عليكم دائمًا”) وللخارج، ويغذّي رواية “الحرب على سبع جبهات” التي يستخدمها القادة الإسرائيليون.

الدول العربية: بين إدارة مخاطر وسباق تكنولوجي صامت

– قانونيًا/سياديًا: الأقمار تمرّ في الفضاء، لذا لا تنطبق قواعد اختراق الأجواء. عمليًا، تعذُر منع التصوير يوجّه الدول إلى خيارات مضادّة: إخفاء/تمويه بنيات عسكرية وبحرية حيوية، إدارة انبعاثات الاتصالات، واعتماد هياكل متحرّكة أكثر من الثابتة.

– الخليج والبحر الأحمر: مراقبة ملاحة الطاقة والبنى الساحلية، ومسارح اليمن/باب المندب، قد تصبح أدقّ تزامنًا مع عمليات بحرية أو سيبرانية. هذا يرفع مخاطر سوء التقدير إذا قُرئت حشود أو تحرّكات اعتيادية على أنّها تمهيد عملاني.

– مصر/الأردن/العراق: صور SAR تعزّز المتابعة الإسرائيلية لنشاط الجماعات المسلّحة والتهريب العابر للحدود في سيناء/الصحراء، ولمسارات الدعم في غرب العراق وشرقه. سياسياً قد يزيد ذلك من حساسية التعاون الأمني والضغوط الشعبيّة.

– الاقتصاد السياسي: تنامي الفجوة التقنية (فضاء/تحليل صور/دمج بيانات) قد يدفع بعض العواصم إلى توسيع شراكاتها الفضائية (شراء صور تجارية، منصّات تحليل، أو شراكات دولية) لخفض عدم اليقين.

تركيا: توازن مراقبة فوق شمال سوريا وشرق المتوسط

– تركيا لاعب فضائي-عسكري صاعد وتمتلك قدرات استطلاع خاصة، وعينها مركّزة على شمال سوريا/العراق وشرق المتوسط. دخول «أوفيك-19» الخدمة يزيد “احتكاك المراقبة” بين أنقرة وتل أبيب فوق مسارح التأثير المتداخل (الحدود السورية، خطوط الطاقة البحرية، غزّة سياسيًا).

– مرجّح أن يتجلّى التفاعل في مجال استخبارات الإشارات والفضاء (SSA/تحاشي التداخل)، لا في مواجهة مباشرة، مع بقاء هامش العلاقات التركية-الإسرائيلية رهينة الدورة السياسية الداخلية والإقليمية.

كيف تغيّر «أوفيك-19» قواعد اللعبة تقنيًا؟

1- استمرارية التصوير: SAR = صور في كل الطقس/كل الأوقات ⇒ فجوات زمنية أصغر بين المشاهدات.   

2- كوكبة على الطريق: تصريحات رسمية عن استثمار بمليارات وبناء كوكبة أقمار تعني ارتفاع معدل المرور وتقليص “المنطقة الرمادية” بين طلعتين. كل قمر جديد ليس مجرد “رصيد إضافي”، بل مضاعِف زمني-جغرافي.

3- دمج الاستشعار المتعدد: القيمة الأكبر تأتي من دمج صور SAR مع الكهروبصري، إشارات الاتصالات، والمسيرات، لإنتاج صورة موقف (COP) تُغذّي القرار السياسي والعسكري بسرعة. (الإطلاق نفسه قُدّم رسميًا كمضاعِف قوّة).

مخاطر التصعيد: أين يمكن أن “تنزلق” الأمور؟

– سوء القراءة: كثافة الصور قد تُنتج ثقة زائدة تفسّر تحرّكات روتينية على أنها نوايا هجومية، خصوصًا في لبنان وسوريا والبحر الأحمر.

– سرعة الدورات الهجومية: تقليص زمن “الاكتشاف-الضرب” قد يرفع وتيرة الاشتباكات الصغيرة ويزيد فرص تفاعل متسلسل لا يُراد له أن يكبر.

– داخل إسرائيل: الإطلاق غير المُعلن ولّد ذعرًا خاطفًا؛ أي إطلاقات لاحقة ضمن برنامج “الكوكبة” قد تحتاج إدارة إنذار عام أفضل لتقليل الحوادث الداخلية.   

كيف تتكيّف القوى المقابلة؟

– تعدّد الطبقات: تمويه، تنقّل، تقليل البصمة الإلكترونية/الحرارية، وتبديل أنماط التشغيل لتفادي “التكرار القابل للتنبؤ”.

– تحت الأرض وفوق السطح: مزيج منشآت تحتية، ومأوى متنقّل، ووسائط تمويه خفيفة لتضليل خوارزميات الكشف بالتغيّر.

– اقتصاد الصور: شراء صور تجارية/تحالفات بيانات لموازنة عدم التكافؤ المعلوماتي، وبناء قدرات تحليل محلية.

باختصار: “مضاد-أقمار” في المنطقة لن يكون (بواقعية) إسقاط أقمار، بل إرباك مسار الاستخبارات قبل أن يصل إلى متّخذ القرار.

ما الذي ينبغي مراقبته في الأسابيع المقبلة؟

1- وتيرة الضرباتالجراحيةونوعيتها في لبنان وسوريا.

2- الإعلانات الإسرائيلية عن أقمار لاحقة أو عقود محطات استقبال وتحليل.

3- مؤشرات تعاون/توتر استخباري مع دول عربية وتركيا (زيارات وفود، صفقاتصور تجارية، مناورات سيبرانية).

«أوفيك-19» لا يغيّر ميزان القوى وحده، لكنه يُحسّن “جودة الزمن” في يد صانع القرار الإسرائيلي: معلومات أكثر، أسرع، في طقس أسوأ. جوهر  الأثر على المنطقة هو ضغط استخباري أعلى يرفع كلفة الخطأ، ويجعل إدارة الحواف (Lebanon/Syria/Iran) أدقّ… وأخطر إذا ساء التقدير.

مقالات ذات صلة