من زلّة غير عفوية إلى قضية رأي عام في أميركا

Screenshot
من “زلّة” غير عفوية إلى قضيّة رأي عام: كيف غطّى الإعلام الأميركي واقعة إهانة الصحافيين اللبنانيين… وما الذي قد يحدث لاحقًا؟
خاص – ليبانغيت
في 26 آب/أغسطس 2025، تحوّل تصريح المبعوث الأميركي توم باراك في قصر بعبدا—حين خاطب الصحافيين بالقول: «إذا صار الجوّ فوضويًا، بشكلٍ حيواني (animalistic)… سنغادر »—إلى شرارة جدل واسع داخل لبنان وخارجه. العبارة التي بدت للوهلة الأولى “زلة لسان”، لم تمرّ مرور الكرام، بل شقّت طريقها سريعًا إلى كبريات وسائل الإعلام الأميركية، لتصبح قضيّة رأي عام تتجاوز حدود بيروت وتضع واشنطن في موقع دفاعي حرج.
من بيروت إلى واشنطن: كيف غطّت الصحافة الأميركية؟
الوكالات أولاً
الصدارة كانت لوكالة أسوشييتد برس (AP) التي نشرت نصّ التصريح بحرفيته، وسردت ردود فعل النقابات والرئاسة اللبنانية، واضعة الحادثة في سياق أوسع يتصل بملف نزع سلاح حزب الله وتمديد ولاية «اليونيفيل». هذه التغطية السريعة منحت القصة “جواز سفر” للانتقال إلى معظم الصحف والمواقع الأميركية.
الصحف الكبرى
– واشنطن بوست ونيويورك تايمز أبرزتا الطابع المحرج للواقعة، ووصفتا ما جرى بأنه “ضربة لصورة واشنطن كمدافع عن حرية الصحافة”.
– بوليتيكو ذهبت أبعد، معتبرة أن تصرف باراك ليس حادثًا معزولًا بل استمرار لنهج إدارة ترامب التي لم تتردّد يومًا في مهاجمة الإعلام الأميركي نفسه.
القنوات الإخبارية
– سي إن إن (CNN) ركّزت على ردّ الفعل اللبناني، من بيانات النقابات إلى دعوات الاعتذار، واعتبرت أن ما حصل يضع الدبلوماسية الأميركية في موقع حرج.
– فوكس نيوز (Fox News) على العكس، حاولت التخفيف من وقع العبارة، معتبرة أن باراك “أسيء فهمه” وأن كلماته جاءت في لحظة توتر خلال مؤتمر مزدحم.
مقالات الرأي والتحليل
– كتّاب في ذا أتلانتك وفورين بوليسي حوّلوا القضية إلى نقاش أوسع: بعضهم اعتبر التصريح ليس “زلة” بل انعكاسًا لعقلية استعلائية مترسخة في مقاربة واشنطن للشرق الأوسط.
– آخرون شددوا على أن فقدان المصداقية في خطاب “حماية الصحفيين” قد يصبح التهديد الأكبر لما يُعرف بالقوة الناعمة الأميركية.
لماذا صارت قضيّة رأي عام؟
1- الاقتباس الصادم: كلمة animalistic وحدها كفيلة بالانتشار الفيروسي، وهي مثالية للعناوين والتعليقات الساخرة.
2- التناقض الفاضح: الواقعة كشفت فجوة بين الخطاب الأميركي عن حرية الصحافة والممارسة الميدانية لموفد رفيع.
3- التوقيت السياسي: التصريحات جاءت بالتزامن مع نقاشات حساسة حول “اليونيفيل” وخطط نزع السلاح، ما ضاعف من وقعها.
ما الذي قد يحدث لاحقًا؟
– اعتذار أو توضيح مدروس: من المرجّح أن يُصدر باراك أو الخارجية الأميركية بيانًا يخفّف من وقع العبارة، بصياغة توحي بـ“سوء فهم” أكثر من اعتراف بخطأ.
من زلّة إلى فضيحة إعلامية
لم تكن كلمات باراك مجرّد هفوة عابرة. أسوشييتد برس نشرت الاقتباس كما هو، وواشنطن بوست ونيويورك تايمز رأت فيه طعنة لخطاب واشنطن عن حرية الصحافة، فيما اعتبرت بوليتيكو أن باراك لم يخرج عن مدرسة ترامب التي لطالما احتقرت الإعلام. على الشاشات، صوّرت سي إن إن المشهد كفضيحة دبلوماسية وضعت واشنطن في موقف محرج، بينما فوكس نيوز سعت لتبريره. أما أقلام الرأي في ذا أتلانتك وفورين بوليسي فاعتبرت أن الأمر لم يكن مجرد زلة، بل مرآة لذهنية استعلائية ما زالت تحكم السلوك الأميركي في المنطقة.
من جملة قيلت على عجل في بعبدا، انكشف وجه آخر لواشنطن. الولايات المتحدة التي ترفع شعار حماية الصحافة وجدت نفسها متهمة بإهانتها. ما جرى لم يكن حادثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل اختبارًا جديدًا لجدّية واشنطن في احترام حرية الإعلام، ولصلابة الشعارات الأميركية حين تصطدم بالواقع. كلمة واحدة كانت كفيلة بهزّ صورة “القوة العظمى” في العالم وفي عيون صحافيين رفضوا أن يُعاملوا كـ”حيوانات”.