من يردع الحليف المتمرّد؟ … المظلّة الأميركية على المحك

 من يردع الحليف المتمرّد؟ … المظلّة الأميركية على المحك

من يردع الحليف المتمرّد؟ … المظلّة الأميركية على المحك

أيمن شحادة –  ليبانغيت

شكّل الهجوم الإسرائيلي الأخير على الدوحة، الذي استهدف قيادات من حركة حماس وأدّى إلى مقتل عدد من عناصر الحركة إلى جانب سقوط عنصر من الأمن القطري وإصابة آخرين، صدمة إقليمية ودولية. فالضربة لم تُسجَّل فقط كحادثة اغتيال فاشلة على أرض دولة ذات سيادة، بل كسرت أيضًا واحدة من أكثر المسلّمات رسوخًا في الخليج: أنّ الوجود العسكري الأميركي يوفّر مظلّة حماية شاملة لحلفاء واشنطن. غير أنّ إسرائيل تصرّفت هذه المرة كقوة منفلتة من أي ضوابط، منفّذةً عملية هجومية من دون تنسيق معلن مع الأميركيين، تاركةً البيت الأبيض في موقع المحرج والعاجز.

الخليج في مواجهة معادلة جديدة

في قطر، الدولة المعنيّة مباشرة بالهجوم، جاءت ردة الفعل غاضبة، إذ وصفت الدوحة الضربة بـ”الخيانة الكاملة” وبدأت تتحدث عن إعادة تقييم علاقتها بواشنطن. لكنّ الحقيقة أنّ خياراتها تبقى محدودة، فهي تحتضن أكبر قاعدة جوية أميركية في المنطقة (العديد)، ما يجعل أي تقارب أمني مع روسيا أو الصين أمرًا شبه مستحيل في المدى القريب. لذا، لن يتجاوز ردّها حدود تعزيز أوراقها التفاوضية للضغط على واشنطن من أجل ضمانات أمنية أو سياسية أقوى.

أما السعودية والإمارات، اللتان راهنتا على التطبيع مع إسرائيل كمسار لتعزيز أمنهما الإقليمي، فقد استشعرتا الخطر مباشرة: فإذا كانت إسرائيل قادرة على تنفيذ اغتيال في قلب الدوحة — الحليف الأميركي المهم — فما الذي يمنعها من مغامرات مماثلة قد ترتدّ على أمن الخليج ككلّ؟ هذا سيدفع العاصمتين إلى إعادة تقييم سرعة وعمق علاقتهما مع تل أبيب، مع إصرار أكبر على الحصول على تعهدات أميركية مكتوبة وملزمة.

أما الدول الخليجية الأصغر، مثل الكويت وعُمان والبحرين، فخياراتها أضيق. فـالبحرين ستبقى عمليًا مرتبطة بالمسار السعودي بحكم تبعيتها السياسية والأمنية. والكويت لا تستطيع بسهولة الانفكاك عن المظلّة الأميركية التي أعادت أسرتها الحاكمة إلى السلطة بعد غزو 1990، ما يجعل تحالفها مع واشنطن أقرب إلى التزام وجودي. وحدها عُمان قد تحافظ على هامش مناورة أوسع عبر تعزيز قنواتها مع روسيا أو الصين أو تركيا، لكن ذلك سيبقى في الإطار الدبلوماسي والاقتصادي أكثر منه الأمني.

واشنطن بين الوصيّ والحليف المتمرّد

الضربة على الدوحة لم تكن رسالة إلى “حماس” وحدها، بل كانت أيضًا إشارة سياسية موجّهة إلى واشنطن: إسرائيل قادرة على تجاوز المظلّة الأميركية والتصرّف كقوة مستقلة، بل متفوقة على حليفتها الكبرى. وبهذا المعنى، فإن الولايات المتحدة لم تعد تُرى كـ”الحامي المطلق”، بل كقوة فقدت زمام المبادرة وأصبحت في موقع من يبرّر ما لا يملك منعه.

ما جرى في الدوحة لم يكن مجرد حادث أمني، بل اختبار استراتيجي لمكانة واشنطن في الخليج. فبين غضب قطر، وحيرة الرياض وأبوظبي، وحسابات الدول الخليجية الأصغر، يتّضح أن المظلّة الأميركية نفسها باتت على المحك، بينما إسرائيل تتصرّف وكأنها هي صاحبة اليد العليا في المعادلة.

مقالات ذات صلة