مهمة فاشلة في كوريا الشمالية… وترامب يتبرأ

مهمة فاشلة في كوريا الشمالية… وترامب يتبرأ
علي منصور – ليبانغيت
كشفت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير نشرته في 5 أيلول/سبتمبر 2025 أنّ وحدة SEAL Team 6، وهي فرقة النخبة نفسها التي نفّذت عملية قتل أسامة بن لادن، تسلّلت عام 2019 إلى الأراضي الكورية الشمالية في مهمة سرّية للغاية هدفت إلى زرع جهاز تنصّت متطوّر يتيح رصد اتصالات الزعيم كيم جونغ أون خلال مفاوضات نووية حسّاسة.
العملية انطلقت من غواصة أميركية صغيرة اقتربت من الساحل، قبل أن يُطلق الفريق عبر مركبات «mini-subs» نحو الشاطئ. غير أنّ المهمة انهارت فجأة بعد أن واجه عناصر القوة قارب صيد محلّي، ففتحوا النار على ركابه المدنيون الذين كانوا يغوصون لجمع المحار. قُتلوا جميعهم، ثم أُلقيت جثثهم في البحر بعد تمزيق رئات الصيادين بالخناجر لضمان غرقها، فيما انسحب الفريق من دون أن يزرع الجهاز، لينتهي الأمر بفشل كامل للمهمة.
وبحسب الصحيفة، وافق الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب على تنفيذ العملية نظرًا لحساسيتها الاستراتيجية، لكن مراجعة سرّية أجراها البنتاغون لاحقًا خلصت إلى أنّ إطلاق النار كان «مبرّرًا ضمن قواعد الاشتباك». بعض عناصر الفريق حصلوا على ترقيات لاحقة، فيما لم تُخطَر لجان الكونغرس بالعملية لا قبلها ولا بعدها، ما أثار جدلاً واسعًا حول الشفافية والرقابة القانونية.
ترامب، من جهته، نفى أي معرفة مسبقة بالمهمة قائلاً للصحافيين: «لا أعرف شيئًا عنها، أسمع بها للمرة الأولى الآن.»
السياق الزمني
جاءت العملية في ذروة مسار اللقاءات بين ترامب وكيم:
-قمة سنغافورة (12 حزيران/يونيو 2018).
-قمة هانوي (27–28 شباط/فبراير 2019) التي انهارت من دون اتفاق.
-لقاء المنطقة المنزوعة السلاح (DMZ) (30 حزيران/يونيو 2019) الذي شكّل لحظة رمزية أكثر منه سياسية.
1-مفارقة «الدبلوماسية مع العصا»
العملية هدفت إلى سدّ «ثغرة عمياء» في الاستخبارات الأميركية بالتنصّت على الدائرة الأقرب لكيم، في الوقت نفسه الذي كان ترامب يصافحه أمام الكاميرات. إنها المفارقة الكلاسيكية بين الانخراط الدبلوماسي العلني والضغط الاستخباري السري. لكن الفشل الميداني الذي أسفر عن مقتل مدنيين جعل الكلفة السياسية والأمنية أعلى بكثير من أي مكسب استخباري محتمل.
2-مخاطر «الإنكار المعقول» وحافة الحرب
إدخال قوة أميركية إلى أراضي دولة نووية مغلقة مثل كوريا الشمالية يضاعف خطر الانكشاف وما قد يتبعه من احتجاز رهائن أو رد عسكري فوري. تقرير الصحيفة يلمّح إلى أنّ العملية لو كُشفت في وقتها، لكانت كفيلة بتقويض المفاوضات وربما إشعال مواجهة مباشرة. هكذا تتضح المفارقة: القمم تخفّف التوتر، لكن العمليات الميدانية قد تفجّره فجأة.
3-سؤال القانون والرقابة
عدم إخطار الكونغرس زاد من الجدل القانوني. فوفق القانون الأميركي، العمليات الاستخبارية (Title 50) تستوجب إبلاغ «عصابة الثمانية»، فيما العمليات العسكرية السرية (Title 10) تملك مساحات رمادية لكن تبقى خاضعة للرقابة البرلمانية. تجاوز هذا الإجراء يُظهر كيف يمكن للرؤساء توظيف السرية لتجاوز المحاسبة.
4- أثرها على مفاوضات 2019
حتى لو لم تعلم بيونغ يانغ بالحادثة في حينها، فإن مجرد النية الأميركية لاعتراض اتصالات القيادة يعمّق انعدام الثقة. وهذا يساعد على تفسير لماذا انهار مسار هانوي سريعًا، ولم تُستأنف المفاوضات بجدية رغم لقاء الـDMZ الرمزي لاحقًا.
5- صورة SEAL Team 6
الفريق يُعتبر رمز القدرات الخاصة الأميركية، لكن تاريخه حافل بعمليات شديدة الخطورة وأحيانًا مثيرة للجدل. هذه الحادثة تغذّي النقاش الأميركي حول ثقافة «المهمات المستحيلة» داخل وحدات النخبة، وحدود الجرأة التي قد تتحوّل إلى مقامرة.