هايتي… من ثورة الحرية إلى جمهورية العصابات

 هايتي… من ثورة الحرية إلى جمهورية العصابات

هايتي… من ثورة الحرية إلى جمهورية العصابات

ليبانغيت

في قلب الكاريبي، حيث تتناثر الجزر كجواهر بحرية، تقبع هايتي كجرح مفتوح في خاصرة التاريخ. هذا البلد بدأ قصته الحديثة كثورة عظيمة: أول دولة سوداء تنال استقلالها عام 1804، بعد أن كسر عبيده قيود الاستعمار الفرنسي. كانت اللحظة ساطعة في تاريخ البشرية، لكن مسار القرنين التاليين حوّل بريقها إلى ظلّ طويل، تتناوبه الانقلابات والدكتاتوريات والكوارث الطبيعية والتدخلات الأجنبية، حتى انحدر البلد تدريجياً إلى مأساة الفوضى التي يعيشها اليوم.

منذ الاستقلال، تشكّل الجيش كعمود فقري للدولة، لكنه تحوّل سريعًا إلى أداة سلطة لا تحمي الشعب بقدر ما تقمعه. لعقود طويلة، نفّذ العسكريون الانقلابات الواحد تلو الآخر، وأقاموا تحالفات مع الديكتاتوريين، خصوصًا في عهد دوفالييه الأب والابن. ومع كل دورة جديدة من الحكم، كان الجيش يبتلع السياسة ويُضعف الدولة أكثر.

عام 1995، وبعد سلسلة انقلابات وضغوط أميركية، أقدم الرئيس جان-برتران أريستيد على حلّ الجيش الهايتي بالكامل، ليترك البلاد من دون قوة عسكرية وطنية. أنشئت مكانه شرطة صغيرة محدودة العدد والعتاد، لم تتجاوز قدرتها ضبط الأمن في بلد يعجّ بالاضطرابات. ومع ضعف الدولة، تمدّدت العصابات وملأت الفراغ.

ثم جاءت الضربة القاصمة عام 2010، حين دمّر الزلزال المروّع العاصمة بورت أو برنس وقتل مئات الآلاف. لم تتعافَ البلاد من الكارثة، فازدادت هشاشة السلطة وتعمّق الفقر. لكن الانهيار الكامل تجسّد بعد اغتيال الرئيس جوفينيل مويس عام 2021 داخل منزله، لتدخل البلاد في فراغ شامل: لا رئيس، لا برلمان، لا جيش، ولا مؤسسات فاعلة.

اليوم، تُحكم هايتي بالرصاص أكثر مما تُحكم بالقوانين. أكثر من 80% من العاصمة تحت سيطرة العصابات، التي تفرض إتاوات على الشوارع، وتختطف مقابل الفدية، وتقرر مصير السكان. الحكومة الانتقالية التي أُنشئت برعاية خارجية ليست سوى سلطة ورقية، فيما القرار الحقيقي بيد الميليشيات.

هكذا تحوّل بلد وُلد من رحم ثورة حرية ملهمة إلى جمهورية العصابات: دولة لها علم في الأمم المتحدة، لكن بلا جيش يحميها، وبلا مؤسسات تديرها، وبلا سلطة سوى سلطة المافيات .

مقالات ذات صلة