ترامب يعلن الحرب على المدن الديمقراطية: عسكرة الداخل الأميركي تبدأ من شيكاغو

 ترامب يعلن الحرب على المدن الديمقراطية: عسكرة الداخل الأميركي تبدأ من شيكاغو

 

ترامب يعلن الحرب على المدن الديمقراطية: عسكرة الداخل الأميركي تبدأ من شيكاغو

علي منصور – ليبانغيت

من لوس أنجلوس إلى واشنطن وصولًا إلى شيكاغو، الرئيس الأميركي يستخدم “فزّاعة الجريمة” لتوسيع سلطاته الفدرالية، مهدّدًا نيويورك وغيرها… فهل تتحوّل المدن الزرقاء إلى ساحة معركة انتخابية؟

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدفع بقوات الحرس الوطني والوكلاء الفيدراليين إلى شوارع شيكاغو لا يمكن قراءته بمعزل عن سياق أوسع، يتمثل في تحويل ملف “الجريمة” إلى أداة سياسية ضد الولايات والمدن ذات الغالبية الديمقراطية. فبينما تشير الإحصاءات الرسمية إلى تراجع ملحوظ في معدلات الجريمة، يصرّ ترامب على تصوير مدن مثل شيكاغو ونيويورك وسان فرانسيسكو كبؤر للفوضى، بما يبرر تدخله الفيدرالي تحت شعار “إعادة النظام”.

استهداف الولايات الديمقراطية

المفارقة أن قائمة المدن المهدَّدة بالتدخل العسكري لا تضم أي مدينة جمهورية، بل تقتصر على الحواضر الكبرى ذات الأصوات الديمقراطية الثقيلة. وهذا يثير أسئلة حول ما إذا كان ترامب يشنّ حملة أمنية أم حملة انتخابية تستهدف خصومه السياسيين في معاقلهم. التدخل في لوس أنجلوس ثم السيطرة على شرطة العاصمة واشنطن كانا بمثابة اختبار للحدود القانونية والدستورية، والآن يأتي الدور على شيكاغو تمهيدًا لتوسيع التجربة نحو نيويورك وبالتيمور وغيرها.

تجاوز التوازن الدستوري

خطورة هذه الخطوات أنها لا تقف عند حدود النزاع الحزبي، بل تمسّ جوهر النظام الفدرالي الأميركي. إذ أن فرض قوات فيدرالية على مدن رافضة لذلك يُعتبر خرقًا لتقاليد راسخة منذ تأسيس الدولة. القوانين مثل Posse Comitatus أو حتى استثناءات Insurrection Act وُجدت لحالات طوارئ قصوى، لا لتُستخدم كأداة سياسية بيد الرئيس. لكن ترامب يختبر هذه الحدود بوعي كامل، ساعيًا لترسيخ سابقة جديدة تسمح للبيت الأبيض بإدارة المدن مباشرة متى ما تعارضت خياراتها مع أجندته.

دوافع ترامب: بين السلطة والانتخابات

يمكن تلخيص دوافع ترامب في مسارين متوازيين:

1- استعراض القوة التنفيذية: إعادة تعريف دور الرئيس كـ “رجل الأمن الأول” القادر على تجاوز السلطات المحلية، بما يحوله إلى مركز ثقل أوحد في مواجهة ما يسميه “الفوضى الليبرالية”.

2-الاستثمار الانتخابي: تغذية خطاب القاعدة الجمهورية التي تنظر بعين الريبة إلى المدن الديمقراطية الكبرى، وتصوير نفسه كحامي “أميركا الحقيقية” ضد “فشل الديمقراطيين”. بهذه الطريقة، يربط الأمن بالسياسة، ويحوّل أي جدال قضائي حول صلاحياته إلى مادة دعائية تخدم حملته.

أبعاد خطيرة على الداخل الأميركي

هذا النهج يفتح الباب أمام تسييس المؤسسة العسكرية والأمنية، وتحويلها إلى أداة ضغط حزبية. وإذا ما استمر، قد نشهد انقسامًا أعمق بين “أميركا المدن” و”أميركا الريف”، بما يهدد وحدة الكيان الفدرالي نفسه. فالتدخل في لوس أنجلوس وواشنطن أثبت أن هذه الإجراءات لا تمرّ بلا أثمان: تصعيد قانوني، قلق داخلي، وتآكل صورة الولايات المتحدة كديمقراطية قائمة على الفصل بين السلطات.

ترامب لا يقود حملة ضد الجريمة بقدر ما يقود حملة ضد خصومه الديمقراطيين مستخدمًا أدوات الدولة الفدرالية. عسكرة المدن ليست مجرّد استجابة لواقع أمني، بل مشروع سياسي يعيد رسم حدود السلطة داخل الولايات المتحدة. وإذا كان التاريخ يُكتب من خلال السوابق، فإن ما يفعله اليوم قد يصبح غدًا مرجعًا لرؤساء آخرين، ما ينذر بتحوّل خطير في توازن الحكم الأميركي.

مقالات ذات صلة