عقد على موجة اللجوء السوري: كيف غيّر اللاجئون وجه ألمانيا؟
عقد على موجة اللجوء السوري: كيف غيّر اللاجئون وجه ألمانيا؟
برلين – يارا الألوسي
في صيف 2015، فتحت ألمانيا حدودها أمام ما يقارب مليون لاجئ، كان أكثر من نصفهم من السوريين الهاربين من الحرب الأهلية. القرار الذي اتخذته المستشارة أنغيلا ميركل ورافقه شعارها الشهير “نستطيعأن ننجز هذا”، أصبح محطة فارقة في التاريخ الأوروبي الحديث. وبعد مرور عشر سنوات، لا تزال آثار تلك الخطوة تُثير الجدل في المجتمع الألماني، بين نجاحات إنسانية وتعثرات اجتماعية وسياسية.
1- السوريون في ألمانيا: أرقام وواقع معيشي
– يُقدّر عدد السوريين المقيمين في ألمانيا اليوم بما يتجاوز 900 ألف شخص، بينهم مئات الآلاف حصلوا على الجنسية أو الإقامة الدائمة.
– أعداد كبيرة منهم اندمجت نسبيًا في سوق العمل، خصوصًا في مجالات الصناعة الخفيفة، المطاعم، النقل والخدمات اللوجستية.
– لكن في المقابل، نسب البطالة بينهم أعلى من المتوسط العام، ما يعكس صعوبة الاندماج الكامل بسبب اللغة، المؤهلات، والاعتراف بالشهادات.
2- السلبيات التي واجهها المجتمع الألماني
رغم النجاحات الفردية، ارتبطت موجة اللجوء السوري أيضًا بجملة من السلبيات:
1- الضغط على الخدمات العامة: التعليم، الصحة، السكن، حيث عانت بعض المدن الصغيرة من عجز في استيعاب الأعداد.
2- الجريمة والتحرش: أحداث مثل اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة 2016، التي شارك فيها لاجئون سوريون ، ساهمت في ربط جزء من الرأي العام بين اللجوء والجريمة.
3- التوترات الثقافية: اختلاف العادات والتقاليد والدين أوجد أحيانًا فجوة مع المجتمع الألماني، خاصة فيما يتعلق بدور المرأة، الحرية الشخصية، والاندماج الاجتماعي.
3- كيف ينظر الألمان إلى اللاجئين السوريين؟
– قسم متعاطف: يرى فيهم ضحايا حرب قاسية، ويعتبر استقبالهم واجبًا إنسانيًا وأخلاقيًا.
– قسم متحفظ: يعتقد أن وجودهم شكّل عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا، ويطالب بتقييد الهجرة.
– قسم معادٍ: تبنّى خطابًا متشددًا، ربط اللجوء بالإرهاب والجريمة، وأسهم في صعود الأحزاب اليمينية مثل البديل من أجل ألمانيا (AfD).
4- أثر السوريين على صورة العرب في أوروبا
مع تزايد الأعداد، أصبح السوريون واجهة العرب في أوروبا، لكن هذه الواجهة لم تكن دائمًا إيجابية:
– في الإعلام: كثير من الصحف الأوروبية ربطت اللجوء العربي بمشاهد القوارب الغارقة، المخيمات العشوائية، وحوادث العنف.
– في الرأي العام: صورة السوريين غلبت على صورة العرب ككل، ما رسّخ صورة “المهاجر الفقير والمحتاج” بدل صورة “العربي المثقف أو المستثمر”.
– في السياسة: الحوادث الفردية لبعض اللاجئين السوريين – سواء جرائم، انضمام متطرفين سابقين، أو رفض الاندماج – انعكست سلبًا على كل الجاليات العربية، وأعطت مادة دسمة لليمين الأوروبي.
5- بين النجاح والإخفاق: أين تقف التجربة اليوم؟
لا يمكن إنكار وجود قصص نجاح ملهمة: أطباء ومهندسون سوريون اندمجوا بسرعة، شباب أسسوا شركات ناشئة، وأسر بنت حياة جديدة. لكن في الوقت نفسه، تبقى التحديات البنيوية حاضرة من ارتفاع معدلات البطالة بين اللاجئين، إلى بقاء جزء منهم في “غيتوات” اجتماعية وثقافية، وصولا لضعف التفاعل مع المجتمع الألماني بشكل متكامل. الأمر الذي انتج صورة متناقضة عنهم في ألمانيا هي خليط بين التقدير والتعاطف من جهة، والريبة والتحفظ من جهة أخرى.
في المحصلة ، بعد عشر سنوات، اللاجئون السوريون في ألمانيا أصبحوا جزءًا من المشهد الديموغرافي والسياسي. بعضهم نجح في الاندماج وتحقيق إنجازات، فيما فشل آخرون في تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية والاقتصادية. أما صورة العرب في أوروبا، فقد تأثرت بشكل ملحوظ بتجربة اللجوء: من فرصة لإبراز معاناة إنسانية حقيقية، إلى عبء استغلته الأحزاب اليمينية في خطابها.