من يوزّع دروس السيادة؟ جعجع… بين خطاب “الدولة” وسجلّ الدماء

من يوزّع دروس السيادة؟
جعجع… بين خطاب “الدولة” وسجلّ الدماء
علي منصور – ليبانغيت
في خطابه الأخير في قداس “شهداء المقاومة اللبنانية”، حاول سمير جعجع ارتداء عباءة “حامي السيادة” و”معلّم الدولة”، متحدثًا عن القرار الحر ورفض السلاح غير الشرعي، وعن 7 أيار والحرب الأهلية، وعن الشيعة واندماجهم في المجتمع، وصولًا إلى الدعوة لقمة عربية في بيروت. لكن أي سيادة وأي دولة يتحدث عنها الرجل الذي شكّل تاريخه السياسي والعسكري الوجه الأكثر دموية للحرب الأهلية اللبنانية؟
بين الشعارات والسجلّ القضائي
جعجع ليس فقط قائد ميليشيا سابق، بل هو الزعيم الوحيد الذي دخل السجن بأحكام قضائية قطعية بتهم اغتيال سياسي. القضاء اللبناني أدانه في جريمة اغتيال داني شمعون وزوجته وطفليه (1990)، كما في قضية اغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي (1987). الأحكام صدرت بالإعدام وخُفّفت إلى مؤبّد، ولم يخرج جعجع من السجن إلا بقرار عفو سياسي عام 2005، لا ببراءة. فكيف يحقّ لمن حوكم على قتل رؤساء حكومات وزعماء سياسيين أن يوزّع دروسًا في الشرعية والدستور؟
“لا 7 أيار جديد”… وماذا عن إهدن؟
حين يقول جعجع “لا 7 أيار جديد”، يتناسى أن حزبه نفسه ارتكب في 13 حزيران 1978 “مجزرة إهدن”، حيث قُتل طوني فرنجية وزوجته وابنته الطفلة، في واحدة من أبشع صفحات الحرب اللبنانية. أي مصداقية تبقى لتحذيراته من الحرب الأهلية، وهو أحد صانعيها الأوائل داخل البيت المسيحي قبل غيره؟
سلاح “غير شرعي”… أم سلاح الاغتيالات؟
يدعو جعجع لتسليم السلاح واصفًا التمسك به بأنه “انتحار”، لكنه يتغاضى عن أنّ سلاح ميليشياه استُخدم لعقود لفرض مناطق نفوذ وحواجز “سؤال على الهوية”، وخطف وقتل مئات المدنيين. ألم يكن هذا هو السلاح غير الشرعي بعينه، قبل أن يتحول إلى وسيلة للاغتيالات السياسية من طراز طوني فرنجية، رشيد كرامي، وداني شمعون وعائلته؟
للشيعة: دروس في “الاندماج”!
يحاضر جعجع على الطائفة الشيعية بضرورة الاندماج ورفض “المشاريع الخاصة”، متناسيًا أن “القوات اللبنانية” نفسها كانت النموذج الأوضح للمشروع الطائفي الانعزالي خلال الحرب، وأنها مارست سياسة التمييز على الحواجز، وخطفت وقتلت على الهوية. أي وجه حقّ له اليوم في إعطاء المواعظ، وهو المسؤول المباشر عن تهجير وقتل على أساس الانتماء؟
سمير جعجع يحاول تصدير نفسه كصوت الدولة والسيادة، لكن كل عبارة قالها في خطابه الأخير تُدحضها الوقائع. فمن يتحدث عن الدولة هو نفسه المدان قضائيًا بقتل رئيس حكومة. ومن يرفض السلاح غير الشرعي هو نفسه الذي قاد ميليشيا خطفت وقتلت على الهوية. ومن يحذّر من الحرب الأهلية هو نفسه صانع “مجزرة إهدن”. ومن يطمئن الشيعة هو نفسه الذي مارس التمييز الطائفي. ومن يطلب عودة لبنان إلى العرب هو نفسه الذي لا يزال مطلوبًا للحقيقة والعدالة في ملف الدبلوماسيين الإيرانيين.
إنها مفارقة لبنانية صارخة: أن يتحوّل من كان أحد أبرز قادة الحرب الأهلية إلى “واعظ بالدولة”، وأن يصبح خطاب الدم بالأمس، خطاب السيادة اليوم.