هل يتحول تشارلي كيرك إلى … “مارتن لوثر كينغ” الجمهوريين؟

 هل يتحول تشارلي كيرك إلى … “مارتن لوثر كينغ” الجمهوريين؟

هل يتحول تشارلي كيرك إلى … “مارتن لوثر كينغ” الجمهوريين؟

علي منصور – ليبانغيت

لم يكد صدى اغتيال تشارلي كيرك يتردّد في الولايات المتحدة حتى استحوذ اليمين المحافظ على الحدث، محوِّلًا إياه من جريمة صادمة ومستنكرة إلى فرصة سياسية. كيرك لم يكن مجرد ناشط سياسي عابر، بل كان أحد  أبرز الوجوه اليمينية الصاعدة في العقد الأخير، عُرف بخطابه المتشدّد حيال المهاجرين والأقليات والمسلمين بشكل خاص، وبحملاته الشرسة ضد سياسات التنوع العرقي والجندري في الجامعات الأميركية. لم يتردّد في وصف الهجرة بأنها “تهديد وجودي لهوية أميركا”، وهاجم علنًا المسلمين الأميركيين معتبرًا أنهم “يُضمرون مشروعًا مناقضًا للقيم الأميركية”. أما في القضايا الداخلية، فقد كان من أشد معارضي الإجهاض، ورفع الضرائب، والقيود على السلاح، مقدّمًا نفسه صوتًا صاخبًا للطلاب المحافظين في وجه ما يصفه بـ”ديكتاتورية اليسار التقدمي” داخل الحرم الجامعي.

لكن مع اغتياله المفاجئ برصاص قنّاص، تحوّل سريعًا إلى رمزٍ يميني جرى إنتاجه على عَجَل ليجلس في مصافّ أيقونات أميركية كبرى… هذه المرة ضمن رواية يمينية خالصة.

لا شكّ أن اغتيال كيرك يبقى جريمة مدانة ومستنكرة، فالقتل لا يصنع عدالة ولا يُبرَّر بأي حال. غير أنّ المعضلة الحقيقية تكمن في الطريقة التي حوّل بها اليمين هذه المأساة إلى مادة لصناعة أسطورة سياسية.

صناعة “الرمز”

لم يكد الدم يجفّ في ساحة الاغتيال حتى بدأت ماكينة اليمين المحافظ في صناعة أسطورة جديدة. فالتصريحات الأولى لم تكتفِ بالرثاء المشروع والمطلوب، بل جعلت تشارلي كيرك “شهيد الغدر اليساري”. وسارعت القنوات اليمينية إلى وضعه في مصافّ لينكولن وكينيدي ولوثر كينغ، ووُلد في الصحف الجمهورية خطاب افتتاحي جديد رفعه إلى مرتبة “الوجه المقاوم للشمولية اليسارية”.

بهذا الإخراج المسرحي، لم يعد كيرك مجرد ناشط صاخب اغتيل غدرًا على يد مجرم متهوّر، بل تحوّل إلى رمزٍ صُنع على عَجَل ليُوظَّف في معركة أيديولوجية كبرى. أسطورة تستحضر مارتن لوثر كينغ، لكن بصورة مقلوبة: فبينما مثّل كينغ حلم العدالة والمساواة، يُقدَّم كيرك اليوم كأيقونة لمقاومة “الهيمنة التقدمية” على الجامعات والإعلام. وهذه المقارنة لم تأتِ من فراغ، بل ظهرت فعليًا في “ميمات” (منشورات إلكترونية رمزية) وخطابات يمينية، حتى إن ابنة مارتن لوثر كينغ نفسها رفضتها علنًا. إنها محاولة لكتابة تاريخٍ بديل، حيث يتحوّل صوت الانقسام إلى ما يشبه نداء الحرية.

التناقض بين مسارين

في المقارنة بين الرجلين، تبدو الفوارق أكثر حدّة من أي تشابه. مارتن لوثر كينغ خرج إلى الشارع حاملًا حلم المساواة، جاعلًا من اللاعنف سلاحه الوحيد، ونجح في أن يحوّل قضيته إلى وجدان وطني جامع. في المقابل، تشارلي كيرك صعد على منصّات الجامعات حاملًا خطابًا صداميًا ضد المهاجرين والأقليات والمسلمين، مهاجمًا ما اعتبره “تفكيكًا لهوية أميركا” على يد اليسار التقدمي. كينغ وحّد الأميركيين حول قضية عادلة، فيما استخدم كيرك لغة تعمّق الانقسام وتُغذّي صراع الهوية.

وقائع تخدم السردية

لم يتأخر المحافظون في تحويل تفاصيل الجريمة إلى مواد دعائية. مقاطع الفيديو التي أظهرت القنّاص وهو يقفز من السطح تحوّلت إلى دليل على “مؤامرة ديمقراطية منظّمة ضد رموز اليمين”. تصريحات ترامب صبّت الزيت على النار حين قال: “كيرك قُتل لأنه رفض الخضوع لليسار”، لتصبح الجريمة – منذ لحظتها الأولى – جزءًا من حملة انتخابية بامتياز. حتى الجامعات، التي طالما اتّهمها كيرك بأنها معاقل “اليسار الثقافي”، صُوِّرت بعد اغتياله كمسرح معادٍ لأي صوت محافظ.

نحو رمزية مقلوبة

بهذا، يرسم اليمين صورةً “مقلوبة” للرمزية الوطنية: إذا كان مارتن لوثر كينغ قد أصبح أيقونة للعدالة والوحدة، فإن تشارلي كيرك يُدفع بعد اغتياله إلى أن يصبح أيقونة للانقسام والتحدي الأيديولوجي. أسطورةٌ لا تسعى إلى جمع الأميركيين بل إلى شحنهم ضد بعضهم البعض. وهنا يبرز السؤال الكبير:

هل يصبح تشارلي كيرك “مارتن لوثر كينغ” الجمهوريين… أم أنه سيبقى مجرد رمز في معركة أيديولوجية لا تنتهي؟

هكذا، تحوّل اغتيال ناشط يميني إلى محطة لإعادة كتابة التاريخ السياسي الأميركي، حيث يُستثمر الموت لفتح خطوط مواجهة جديدة.

ما وراء الرمز: الانتخابات المقبلة

في العمق، لا يتوقف الرهان على رمزية تشارلي كيرك عند حدود تكريمه أو تخليد ذكراه، بل يتجاوز ذلك إلى ساحة الانتخابات الرئاسية المقبلة. فاليمين المحافظ يدرك أن تحويل كيرك إلى “شهيد الغدر الديمقراطي” سيمنحه ورقة قوية لتعبئة القاعدة الجمهورية، خصوصًا الشباب الغاضب من الجامعات والنخب الليبرالية. ومن خلال هذه السردية، يسعى الجمهوريون إلى إظهار أنفسهم ضحايا لـ”عنف اليسار”، تمامًا كما يحاولون وضع الديمقراطيين في موقع المتّهم أخلاقيًا وسياسيًا.

بهذا، يصبح السؤال المطروح ليس فقط ما إذا كان تشارلي كيرك سيُكرَّس كـ”مارتن لوثر كينغ” الجمهوريين، بل أيضًا: هل ستنجح رمزيته المقلوبة في تغيير معادلات السباق الانتخابي الأميركي، أم أنّها ستظل مجرّد صدى دعائي قصير العمر في زمن الاستقطاب؟

مقالات ذات صلة