دونالد ترامب بين مطرقة ممداني وسندان ماسك

دونالد ترامب بين مطرقة ممداني وسندان ماسك
علي منصور – ليبانون غيت
في مشهد سياسي أميركي بالغ التعقيد، يقف دونالد ترامب اليوم محاصرًا بين قوتين ناعمتين لكن مؤثرتين . من جهة، اليساري التقدّمي زهران ممداني الذي يمثّل تهديدًا متصاعدًا من داخل القاعدة الشبابية الملونة واليسارية التي تشق طريقها عبر المدن الكبرى ، ومن جهة أخرى، الرأسمالي التقني إيلون ماسك، الذي يلوّح بحزب ثالث يهدد بتفكيك القاعدة الجمهورية ويربك معسكر ترامب من بوابة الاقتصاد والحرية الرقمية.
بين المطرقة والسندان، يقف ترامب حائرًا .
مطرقةٌ تضرب من اليسار، وسندانٌ يُثقل كاهل اليمين.
ممداني: الجيل القادم الذي لا يعترف بثوابت الجمهوريين
زهران ممداني، العضو التقدّمي في مجلس ولاية نيويورك، يمثّل تيارًا يساريًا عالمي النزعة، شبابيّ الروح، تحرّريّ الموقف.
هو ليس مجرّد عضو محلي يمثل كوينز ، بل أحد رموز الموجة التقدمية التي تجتاح الحزب الديمقراطي من الداخل، إلى جانب أسماء مثل ألكسندريا أوكاسيو كورتيز ورشيدة طليب.
خطورته على ترامب لا تأتي من مواجهة مباشرة، بل من قدرته على إعادة صياغة المفاهيم السياسية في المدن الأميركية الكبرى . فهو يقوّض سرديات “الهوية الوطنية” التي يستخدمها ترامب. ويهاجم سياسات الشرطة، والتمييز الطبقي، ويضع خطاب “أميركا العظيمة” في موقع الدفاع. وفي نفس الوقت يحرّض قاعدة شبابية ملونة عزفت عن المشاركة، ويعيد دمجها في المسار السياسي بقيم مضادة تمامًا لما يمثله ترامب.
ولعلّ الأهم، أن ممداني ومن يشبهه يُسقطون أسطورة أن ترامب وحده يملك الجرأة في الخطاب. فهم أيضًا “شجعان”، ولكن باسم قيم العدالة والمساواة والحرية ومساعدة الطبقات ما دون الوسطى .
ماسك: تهديد من داخل معسكر اليمين نفسه
أما من الجهة المقابلة، فيأتي التهديد الأخطر. إيلون ماسك، الملياردير الذي قرّر الخروج من موقع المشاهد إلى موقع اللاعب السياسي الفعلي، معلنًا تأسيس “حزب أميركا” كتيار ثالث يستهدف تفكيك الثقل التقليدي للحزبين.
ماسك لا يهاجم ترامب من اليسار، بل من موقع أقرب إلى قلب الناخب الجمهوري الوسطي ، فهو ينتقد العجز المالي الذي تراكم في عهد ترامب ويرفض “قانون الإنفاق الكبير” الذي مرّ بدعم جمهوري و يروّج لقيم الإقتصاد الحر، والحد من البيروقراطية، وسحب الحكومة من حياة المواطن، وهي قيم لطالما ارتكز عليها الحزب الجمهوري قبل أن يختطفه التيار الشعبوي المتطرف واليمين المحافظ.
الخطورة هنا مزدوجة فماسك قادر على تمويل حملات انتخابية تهدد مرشحي ترامب داخل الحزب نفسه. ومنصة “X” تتيح له التأثير المباشر في الملايين، دون الحاجة إلى الإعلام التقليدي أو التغطية الصحفية. و ترامب يعرف ذلك، ولذلك بدأ يلمّح إلى ماسك بسخرية وهجوم ناعمين ، إدراكًا منه أن منافسه التقني قد يُطيح بشريحة من جمهوره الأساسي.
ترامب بين التقدّميين والمستقلين: ازدواجية الخطر
ما يواجهه ترامب ليس مجرد خصومة سياسية أو انتخابية ، بل تحوّل استراتيجي في خارطة القوى . من جهة ، اليسار التقدمي، بوجهه الشبابي والأقلياتي، يحرّض على المشاركة ضد خطاب ترامب ويدفع الحزب الديمقراطي باتجاه الجذرية. ومن جهة ثانية التيار الثالث بقيادة ماسك، يسحب من ترامب صوته “الاقتصادي” ومنطق “رجل الأعمال” الذي ميّزه منذ انتخابات 2016. والأسوأ على ترامب أنه لا يمكنه مهاجمة ماسك بوصفه “يساريًا” أو “خائنًا”، لأن مالك “تسلا ” و”سبايس إكس” يخاطب نفس الناخب بلغة السوق والتقنية والحرية.
هل يستطيع ترامب كسر الطوق؟
المفارقة أن ترامب، الذي اعتاد أن يكون هو المطرقة، بات اليوم من يتلقى الضربات من جهة تُحدِث موجة يسارية زلزالية داخل الحزب الديمقراطي وتقلب مفاهيم السياسة التقليدية. ومن جهة أخرى تُمثّل اليمين ولكنها أكثر منه انضباطًا وواقعية، وتملك المال والتأثير والصوت الرقمي.
صحيح أن ترامب ما زال الأقوى شعبيًا في الحزب الجمهوري، لكنّ الحصار السياسي الذي يواجهه اليوم قد يعيد رسم المعادلة الداخلية ويؤدي لتراجع ترامب في الإنتخابات النصفية المقبلة إذا تفوّق التيار التقدمي داخل المدن الكبرى . وإذا نجح ماسك بتأسيس حزبه أو تحالف مع الليبراتليين، فأن وضع ترامب سيصبح أسوأ وأصعب .
انفجار بلا دويّ .. حتى الآن
دونالد ترامب لا يواجه اليوم مرشحًا رئاسيًا ، بل منظومة جديدة من التحديات متعددة الاتجاهات.
بين المطرقة التقدمية التي يمثلها ممداني، والسندان الليبرالي–التقني الذي يقوده ماسك، يبدو ترامب كمن يقف على أرض رخوة: صلبة في الشكل، متآكلة في العمق.
وإذا ما تلاقى التياران – لا بتحالف، بل بتزامن – فقد يجد ترامب نفسه في 2026 أو 2028 أمام مشهد سياسي لا يشبه ما عرفه في 2016 و 2024 خاصةً أن الرجل، بخلاف كل الرؤساء السابقين، يملك مشروعًا سياسيًا كبيراً لا ينوي التخلّي عنه بانتهاء ولايته.
فعلى رأس مَن ستنزل مطرقة ترامب أولاً ؟
أم ستسقط في الفراغ بين نيويورك ووادي السيليكون ؟