الجوع القادم من المرفأ: من يُمسك بلقمة اللبنانيين ؟

زينة برجاوي – ليبانون غيت
رغم أن السوق اللبناني يُفترض أن يكون مفتوحًا، إلا أن واقع استيراد القمح والحبوب يُدار كأنه نادٍ مغلق. حفنة من الشركات تسيطر على معظم عمليات الاستيراد، بفضل علاقاتها مع مرجعيات سياسية نافذة، أو ارتباطها بأسماء مالية كبيرة. المنافسة الحقيقية غائبة، والمنافس غير المحسوب يُقصى بحجة “عدم المطابقة للشروط الفنية”.
النتيجة؟ الأسعار ترتفع، الخيارات تنخفض، والمستهلك يدفع الثمن ثلاث مرّات: مرّة عند الشراء، ومرّة عبر الضرائب، ومرّة من كرامته.
في آب 2020، لم يدمّر انفجار مرفأ بيروت صوامع القمح فحسب، بل كشف أيضًا هشاشة الأمن الغذائي في لبنان. وبدل أن تشكّل الفاجعة فرصةً لإعادة تنظيم القطاع، استغلّها البعض لتكريس هيمنتهم.
فقد تمّ منح التراخيص في الغرف المغلقة، والتوزيع جرى وفق الولاءات، أما الطحين المدعوم فإمّا هُرّب إلى سوريا، أو بيع في السوق السوداء، أو استُخدم كوسيلة ضغط سياسي على الأفران والمواطنين.
ومع تدفّق المساعدات الغذائية من الخارج، ضاعت الإعانات في متاهة الفساد المحلي. وصلت المساعدات إلى البلديات، فتمّ توزيعها بطريقة أقرب إلى “الرشوة الانتخابية” منها إلى الإغاثة الإنسانية.
في بعض المناطق، لم يحصل المحتاج على حصّته إلا إذا التُقطت له صورة مُذلّة مع “ممثل الزعيم”، أو وقّع على لائحة انتخابية موالية. وهكذا، تحوّلت “كرتونة الإغاثة” إلى أداة إذلال، بدل أن تكون حقًا اجتماعيًا.
وزارة الاقتصاد كانت الغائب الأكبر عن المشهد: لا خطة استراتيجية، لا لوائح شفافة بالمستوردين، لا رقابة جدية على المخزون أو الأسعار. وفيما تنشغل بعض الأجهزة الأمنية بكشف المخالفات، يبقى القضاء إمّا صامتًا، أو خاضعًا للتوازنات السياسية.
ثلث اللبنانيين باتوا تحت خط الفقر الغذائي. البطاقة التمويلية تبخّرت، والأمن الغذائي لم يعد أولوية وطنية، بل ورقة مساومة موسمية تُستخدم متى دعت الحاجة إلى شدّ العصب الشعبي.
في هذا البلد المنهَك، لم يعد الجوع حالةً طارئة، بل واقعًا دائمًا تُديره الدولة وقوى سياسية بدمٍ بارد.
من يملك الخبز، يملك الولاءات.
ومن يتحكّم بالمرفأ… يتحكّم بلقمة اللبنانيين.