لبنان في مزاد القرن: من يشتري الدولة؟

 لبنان في مزاد القرن: من يشتري الدولة؟
لبنان في مزاد القرن: من يشتري الدولة؟
 ليبانون غيت
في وطنٍ لا تزال عملته تتهاوى، وشعبه يعيش تحت رحمة الانهيار، تتقدّم على الطاولة مشاريع “إنقاذ” تُشبه كثيراً وصفات بيع الدولة قطعة قطعة… لا إصلاح فعلي ولا استرداد للحقوق، بل تصفية مرتبة لأصول الدولة تحت مسمّى “الخصخصة”، وكأننا أمام مزاد علني مفتوح: من يشتري لبنان؟
فما حقيقة هذا المزاد؟ ما الأصول المعروضة للبيع؟ من المستفيد؟ ومن يدفع الثمن؟ وهل هناك خطة لاسترجاع أموال المودعين المحجوزة في المصارف منذ العام 2019؟
خريطة الطريق نحو الخصخصة
منذ بداية الأزمة المالية، يشترط المجتمع الدولي – وتحديداً صندوق النقد والبنك الدولي – مجموعة من الإصلاحات المالية والهيكلية مقابل أي دعم مالي. أبرزها: إعادة هيكلة القطاع المصرفي، إصلاح المؤسسات العامة، ووقف النزيف في قطاع الكهرباء. والنتيجة: الدفع باتجاه خصخصة كل ما يمكن خصخصته.
ففي يونيو 2025، أنهى وفد صندوق النقد الدولي جولة مفاوضات جديدة مع الحكومة اللبنانية، داعياً إلى خطوات “جريئة وسريعة” لإعادة تنظيم النظام المالي، مع التركيز على تصفية الخسائر وتوزيعها بعدالة. بالتوازي، أطلق البنك الدولي مشروعًا بقيمة 250 مليون دولار لدعم البنية التحتية في المناطق المنكوبة، مرفقًا بنداء واضح: الشفافية مقابل الدعم.
ما الذي يُباع؟ أصول الدولة في المزاد
القائمة تطول وتشمل:
•مؤسسة كهرباء لبنان
•مرفأ بيروت
•مطار رفيق الحريري
•Ogero للاتصالات
•شركات المياه
•الهيئة العامة للطيران المدني
•أسهم الدولة في INTRA Investment
تُطرح هذه الأصول عبر صيغ الشراكة مع القطاع الخاص (PPP / BOT)، أو عبر صندوق ثروة سيادي يتم العمل على إنشائه ليكون “مستودعًا للثروات المخصخصة”.
لكن الخطر يكمن في غياب الشفافية: من يشتري؟ بأي شروط؟ وبأي سعر؟
من يربح… ومن يخسر؟
الفائزون المحتملون:
•نخبة مصرفية وسياسية قريبة من دوائر القرار
•شركات أجنبية وخليجية مهتمة بالمرافق الحيوية
•بعض البنوك التي تسعى لتغطية خسائرها من خلال عقود مستقبلية مع الدولة
أما الخاسر الأكبر، فهو المواطن اللبناني، الذي سيُضطر لدفع ثمن خدمات أساسية باتت مرهونة للقطاع الخاص، في ظل غياب أي سياسة للدعم الاجتماعي أو الضمانات القانونية.
أموال المودعين… من يُعيدها؟
منذ 2019، لا يزال أكثر من 93 مليار دولار من ودائع اللبنانيين محتجزة في المصارف، دون أفق واضح. وفي أبريل 2025، أقرّ مجلس النواب قانون رفع السرية المصرفية، خطوة ضرورية لكنها متأخرة.
وفي خطوة وصفت بـ”المراوغة الطويلة”، أعلن حاكم مصرف لبنان الجديد، كريم سويد، عن خطة مرحلية تبدأ بإعادة أموال أصحاب الحسابات الصغيرة تدريجياً، وصولاً إلى الحسابات الكبيرة، عبر:
•إصدار سندات طويلة الأجل (تصل إلى 40 سنة) للمودعين
•مشاركة الدولة والمصارف في صندوق يُسمّى “صندوق استعادة الودائع”
•إعادة رسملة القطاع المصرفي تدريجياً
لكن هذه الوعود، وإن كانت تشي بنية “التعويض”، تبقى معلّقة على قدرة الدولة على التنفيذ، وعلى مدى قبول الناس بانتظار عقود كي يسترجعوا تعب عمرهم.
هل الخصخصة حل… أم تصفية؟
الخصخصة ليست بالضرورة لعنة. بل قد تكون فرصة إذا تمّت بشفافية، ضمن خطة وطنية شاملة، وبمشاركة الناس والمؤسسات الرقابية.
لكن ما يحصل في لبنان اليوم يُشبه أكثر ما حصل في دول انهارت وتحوّلت إلى “جمهوريات تصفية”، حيث النخب نفسها التي أوصلت البلاد إلى الإفلاس، هي من تُدير عمليات البيع… لمصلحة مَن؟
الخاتمة: الطريق بين المزاد والاسترداد
بين الخصخصة والانقاذ، يقف لبنان على مفترق خطير.
فإما أن يُحوّل الأزمة إلى فرصة لإعادة بناء الدولة بشفافية وعدالة، أو يُكرّس الانهيار كمرحلة انتقالية نحو نظام جديد… تُباع فيه الدولة، وتُنسى فيه الحقوق.
وأموال المودعين تبقى المفتاح:
من دونها، لا ثقة.
ومن دون الثقة، لا دولة.

مقالات ذات صلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *