من يملك الدولة؟ خريطة النفوذ السياسي والاقتصادي في لبنان

 من يملك الدولة؟ خريطة النفوذ السياسي والاقتصادي في لبنان

– ليبانون غيت

في لبنان، لا تُدار الدولة من السرايا الحكومي، ولا تُقرّ السياسات في مجلس النواب، ولا يُفصل الحق في قاعات المحاكم. فالدولة، كما يعرفها المواطن، ليست سوى واجهة رسمية لسلطة أعمق… سلطة غير مكتوبة، تُرسم ملامحها في المجالس المغلقة، وتُدار خيوطها بين الزعامات والطوائف والمصارف والكارتيلات.

منذ نهاية الحرب، لم تُبنَ دولة على قاعدة المواطنة، بل على قاعدة الحصص. كل مؤسسة لها “صاحب”، وكل قرار له “راعٍ”، وكل وزارة تتحرّك ضمن هامش رسمته مرجعية سياسية أو مالية. فحتى الوزير، مهما كان تكنوقراطياً، لا يملك قراره كاملاً، بل يتحرّك ضمن ما يُسمّى بـ”الخط السياسي”. وإن خالفه، قُطع عنه الغطاء.

البرلمان ليس أفضل حالًا. فالمقاعد تُمنح بالتفاهمات، لا بالانتخابات الفعلية. اللوائح تُكتب في غرف مغلقة، والمعارضة ليست سوى ديكور ضروري لإعطاء الانطباع بوجود ديمقراطية. أما التشريع، فمرهون بالتوافق، وإن تعذّر، تتعطّل البلاد.

لكنّ أخطر ما في المشهد، أن السلطة السياسية لا تكتفي بإدارة القرار السياسي، بل تمدّ يدها إلى قلب الاقتصاد. فمن يملك المصارف يملك رقاب الناس، ومن يسيطر على استيراد القمح والدواء والمحروقات، يملك مفاتيح الجوع والصحة والتنقّل. حفنة من الكارتيلات تحتكر الاستيراد والتوزيع، وغالبًا ما تكون على علاقة مباشرة بأحزاب أو مراكز نفوذ، فتُسعّر كما تشاء، وتوزّع كما تشاء، وتراكم الأرباح على حساب القدرة الشرائية المنهارة.

أما القضاء، الذي يُفترض أن يكون الملاذ الأخير، فقد بات ضحية المحاصصة أيضًا. القاضي المستقل يُستهدف، والمطيع يُكافأ. الملفات الكبرى إمّا مجمّدة، أو تتحرّك حسب ميزان الضغط السياسي. العدالة انتقائية، والإفلات من العقاب أصبح جزءًا من النظام.

وفي قلب هذا الهيكل الهش، يبقى الجيش المؤسسة التي تحاول الحفاظ على الحدّ الأدنى من الانضباط، وسط ضغوط سياسية دائمة في التعيين والتسليح والتدخلات. أما الأجهزة الأمنية الأخرى، فتُوزّع كحصص وظيفية، تُمثّل توازنات الطوائف أكثر مما تُمثّل هيبة الدولة.

النتيجة؟ دولة تُدار كما تُدار شركة مساهمة، يتقاسم أسهمها النافذون، ويتنازعون على الأرباح والخسائر، بينما لا يملك المواطن من هذه “الدولة” سوى اسمها على بطاقة الهوية.

في لبنان، الدولة ليست مجرّد سلطة… بل غنيمة تتنازعها القوى النافذة، كلٌّ ينهش منها نصيبه.
المؤسسات موجودة، لكنّ القرار يُصنع خارجها. والدستور مكتوب، لكنّ دفتر المحاصصة هو الذي يُقرأ.
لا يحكم اللبنانيين قانون، بل موازين… ولا ترعاهم حكومة، بل مافيا أنيقة تتقن لعبة الشرعية.

مقالات ذات صلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *