عملية بلا رأس: كيف أخفقت إسرائيل في اغتيال قيادة حماس بالدوحة

عملية بلا رأس: كيف أخفقت إسرائيل في اغتيال قيادة حماس بالدوحة
علي منصور – ليبانغيت
لم يكن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة مجرّد غارة عابرة في مشهد حرب ممتد، بل خطوة تحمل أبعادًا استراتيجية ودبلوماسية عميقة. ورغم ما قيل عن “دقّة الضربة” و”أهدافها النوعية”، فإنّ العملية انتهت إلى نتيجة عكسية فشلت في تحقيق غايتها الأساسية في تصفية قيادة «حماس» السياسية ، وأثارت عاصفة من ردود الفعل الدولية والإقليمية أحرجت إسرائيل وحليفتها الأولى، واشنطن.
أهداف لم تتحقق ونتائج عكسية
سعت إسرائيل إلى استهداف قيادات «حماس» الموجودة في الدوحة، لكن النتيجة المباشرة اقتصرت على مقتل خمسة من عناصر الحركة، بينهم نجل القيادي خليل الحيّة، بينما أعلنت «حماس» أنّ قادتها ما زالوا على قيد الحياة. وزارة الداخلية القطرية أكدت سقوط ضحايا من جهاز أمنها وإصابة آخرين، ووصفت ما جرى بأنه “خيانة مكتملة”. أمّا واشنطن، فحاولت النأي بنفسها وأعلنت أنّ الضربة كانت “إسرائيلية بحتة” ولا تخدم أهدافها السياسية. هذا التباين كشف حدود التفاهم بين الحليفين، وألقى بظلال من الشك على وحدة الموقف الأميركي–الإسرائيلي في إدارة الحرب.
بين بيروت وصنعاء والدوحة: الفارق في التكتيك
لفهم خلفية الفشل، لا بدّ من المقارنة مع ضربات أخرى:
– في لبنان، وتحديدًا في ضواحي بيروت، استخدامت اسرائيل قنابل ذكية من فئة 2000 رطل (حوالي 900 كغ) بتقنية SPICE، دمّرت مباني بكاملها وأسفرت عن سقوط عشرات الضحايا المدنيين.
– في صنعاء، في كل ضربة كان عدد الضحايا بالعشرات ، وهو ما يعكس استخدام ذخائر أثقل ونمط استهداف مباشر لمقار عسكرية أو مناطق سكنية قريبة.
– أما في الدوحة، فالمشهد مختلف: البيئة السياسية حساسة للغاية، كونها عاصمة دولة حليفة تستضيف قاعدة أميركية رئيسية، وتلعب دور الوسيط في مفاوضات وقف إطلاق النار. لهذا، يُرجّح أنّ إسرائيل لجأت إلى رؤوس حربية أصغر وأكثر دقة (مثل GBU-39 أو SPICE-250 بوزن يقارب 100–125 كغ)، لتجنّب مجزرة مدنية قد تفجّر أزمة كبيرة مع واشنطن والدوحة معًا.
حسابات السياسة قبل حسابات الميدان
هذا الحرص على تقليل الأضرار الجانبية جعل الضربة أقل تدميرًا وأقل قدرة على “قطع رأس” القيادة المستهدفة. هنا تبرز المعضلة: كلّما صغرت الذخيرة، تراجعت احتمالات النجاح الكامل؛ وكلّما كبرت، تضاعفت المخاطر السياسية والدبلوماسية. إسرائيل في لبنان واليمن استخدمت قوة نارية مفرطة لعدم اكتراثها بالآثار السياسية ، بينما في قطر بدت مكبّلة بقيود الحليف الأميركي وقلقة من أن تؤدي أي مجزرة إلى عزلة أكبر.
انعكاسات استراتيجية
إلى جانب الفشل العسكري، كانت التداعيات السياسية فورية: إدانات أوروبية وعربية، غضب قطري، وحتى تصريح من ترامب يصف العملية بأنها لا تخدم أهداف الولايات المتحدة. هذا التحوّل وضع إسرائيل في موقع المتهم بتهديد أمن العواصم الحليفة، بينما منح «حماس» ورقة معنوية جديدة في معركة الرأي العام.
عملية الدوحة كانت مثالًا صارخًا على التناقض بين الطموح العسكري الإسرائيلي والقيود السياسية المفروضة عليه. في بيروت وصنعاء، لم تتردّد تل أبيب في استخدام ذخائر ضخمة أوقعت مئات الضحايا، أما في الدوحة فقد أجبرها الحساب الدبلوماسي على الاكتفاء بضربة “جراحية” محدودة، ما أفقدها عنصر الحسم وفتح عليها أبواب أزمة مع شركائها. هكذا تحوّلت العملية من محاولة اغتيال نوعية إلى فشل استراتيجي يضاعف العزلة ويحرج الحليف الأميركي.