مقاتلات الـF-35 في بورتو ريكو: مواجهة الكارتلات أم استعراض قوة؟

مقاتلات الـF-35 في بورتو ريكو: مواجهة الكارتلات أم استعراض قوة؟
أيمن شحادة – ليبانغيت
إعلان الإدارة الأميركية نشر عشر مقاتلات من طراز F-35 في بورتو ريكو، تحت عنوان “مكافحة كارتلات المخدرات”، لا يمكن قراءته في الإطار الأمني الضيق فحسب. فالخطوة تحمل دلالات أوسع تتصل بالتموضع العسكري الأميركي في الكاريبي، وبالصراع على النفوذ في أميركا اللاتينية مع قوى دولية منافسة، وبالرسائل السياسية التي يريد البيت الأبيض توجيهها داخلياً وخارجياً.
أولاً: الحرب على المخدرات كغطاء عملياتي
لا شك أن الكاريبي يمثل ممراً أساسياً لشبكات التهريب القادمة من أميركا اللاتينية والمتجهة إلى الداخل الأميركي. بورتو ريكو تحديداً تُعد حلقة وصل حساسة في هذه السلسلة. ومن هنا، فإن تبرير نشر الـF-35 بضرورات “المراقبة والردع” ضد قوارب التهريب يبدو منطقياً من حيث الشكل، لكنه لا يفسر طبيعة المنصة المستخدمة.
فالـF-35، وهي المقاتلة الأحدث والأغلى في الترسانة الأميركية، ليست الوسيلة الأكثر ملاءمة لملاحقة زوارق صغيرة، بل هي أداة متقدمة للرصد الجوي والاندماج المعلوماتي. وبالتالي، فإن القيمة الفعلية تكمن في جمع المعلومات وتعزيز الوعي الميداني لصالح شبكات الرصد الأميركية، أكثر مما تكمن في الاشتباك المباشر.
ثانياً: الكاريبي كعقدة استراتيجية
منذ مبدأ مونرو في القرن التاسع عشر، تعاملت واشنطن مع الكاريبي كـ”فناء خلفي” لا يُسمح لقوى أخرى بالتغلغل فيه. واليوم، مع تمدد النفوذ الصيني عبر الاستثمارات والموانئ والاتصالات، وتنامي الحضور الروسي عبر التحالف مع فنزويلا وبعض دول المنطقة، تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لإعادة تأكيد قبضتها.
نشر الـF-35 في بورتو ريكو يُشكل رسالة ردع إلى الخصوم الدوليين: “الولايات المتحدة ما زالت قادرة على فرض معادلاتها في محيطها المباشر”. كما أنه يطمئن الحلفاء الصغار في الكاريبي بأن واشنطن لن تتراجع عن دورها كضامن للأمن البحري والجوي.
ثالثاً: البعد السياسي الداخلي
الخطوة تحمل بعداً دعائياً داخلياً. فهي تعزز سردية “القانون والنظام” التي يقوم عليها خطاب البيت الأبيض، وتظهر للرأي العام الأميركي أن الإدارة تتحرك بقوة لحماية الحدود البحرية من تهريب المخدرات والجريمة المنظمة.
إضافة إلى ذلك، فإن إبراز المقاتلة المتطورة في مهمة كهذه يساعد في تبرير كلفتها الباهظة أمام الكونغرس والرأي العام، عبر الإيحاء بأنها ليست مجرد أداة للحروب البعيدة، بل أيضاً وسيلة لحماية الأمن الداخلي.
رابعاً: التحديات والارتدادات المحتملة
رغم كل الرسائل، تواجه هذه الخطوة عدداً من المخاطر:
– فعالية محدودة إذا لم يتكامل الدور الاستطلاعي للـF-35 مع عمل خفر السواحل والطائرات البحرية المخصصة للمراقبة.
– حساسية سياسية محلية في بورتو ريكو، حيث يُتهم المركز الفيدرالي بتحويل الجزيرة إلى قاعدة عسكرية أكثر مما يعاملها كجزء متساوٍ من الولايات المتحدة.
– ردود فعل إقليمية متباينة: دول الكاريبي قد ترحب بالتعاون ضد التهريب، فيما ستعتبر فنزويلا وحلفاؤها الخطوة تصعيداً واستفزازاً.
إرسال مقاتلات الجيل الخامس إلى بورتو ريكو لا يقتصر على مطاردة الكارتلات، بل يعكس استراتيجية أميركية مزدوجة ، في الخارج، تثبيت الهيمنة في الكاريبي وردع الخصوم الدوليين ، وفي الداخل، تكريس صورة القيادة الحازمة التي تحارب المخدرات وتحمي الأمن القومي.
إنها خطوة عسكرية محمّلة بدلالات سياسية وجيوسياسية، تجعل من الكاريبي مجدداً ساحة اختبار للتوازنات بين الولايات المتحدة ومنافسيها في النصف الغربي من العالم.