من وول ستريت إلى غزة والدوحة: رحلة المال العربي نحو الصواريخ الإسرائيلية… كيف نموّل من يستبيح دماءنا؟!

من وول ستريت إلى غزة والدوحة: رحلة المال العربي نحو الصواريخ الإسرائيلية…
كيف نموّل من يستبيح دماءنا؟!
علي منصور
لم يكن تصريح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مجرّد تعبير دبلوماسي عابر، بل مرآة تعكس عمق النفاق السياسي الأميركي. فقد قال روبيو إن واشنطن “غير راضية” عن الغارات الإسرائيلية على الدوحة، لكنه سارع إلى التأكيد أن هذا الخلاف لا يؤثر إطلاقاً على استمرار الدعم الأميركي لإسرائيل. بل أكثر من ذلك، أعلن أنّه سيتوجّه اليوم إلى تل أبيب ليقدّم لها دعماً سياسياً ومعنوياً، في زيارة تستمر خمسة أيامٍ في توقيت لافت يسبق القمة العربية ـ الإسلامية المرتقبة في الدوحة، وكأنّها رسالة مزدوجة: واشنطن إلى جانب إسرائيل مهما كان الثمن، حتى لو كان هذا الثمن هو أمن الحلفاء.
استهانة بأمن الحلفاء
الدوحة ليست دولة عادية في الحسابات الأميركية. فهي الحليف الاستراتيجي الذي يستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، وتضخ استثمارات بمئات المليارات في الاقتصاد الأميركي، أسوةً ببقية الدول الخليجية التي بلغت استثماراتها في الأسواق الأميركية ترليونات الدولارات. ومع ذلك، حين استُهدفت عاصمة خليجية بغارات إسرائيلية، لم تجد الإدارة الأميركية سوى لغة “عدم الرضا” الخجولة، دون أن تجرؤ حتى على استدعاء السفير الإسرائيلي في واشنطن لإبلاغه رسالة احتجاج رسمية. أليس في ذلك استهزاء واضح بأمن الحلفاء العرب؟
استثمارات بلا حماية
المفارقة الكبرى أنّ هذه الاستثمارات الضخمة، التي يُفترض أن تترجم إلى نفوذ سياسي وضمانات أمنية، لم تُفلح في حماية الأمن القومي العربي. المال العربي يتدفّق إلى وول ستريت والأسواق الأميركية وشركات السلاح والطاقة، لكنه لم يشترِ سوى الصمت والخذلان، أو في أفضل الأحوال “تعبير عن عدم الرضا”، حين يُمسّ الأمن العربي في الصميم.
ماذا تقدّم إسرائيل لأميركا؟
في المقابل، ماذا تقدّم إسرائيل للولايات المتحدة؟ لا شيء على صعيد الاستثمار أو الدعم الاقتصادي. إسرائيل لا تضخ أموالاً في الاقتصاد الأميركي، ولا تساهم في التخفيف من عجز الخزينة أو حماية الدولار. على العكس تماماً، فهي تستنزف واشنطن عبر مليارات المساعدات العسكرية والمالية السنوية التي تثقل كاهل الميزانية الأميركية. هذه المساعدات تتحوّل في نهاية المطاف إلى عبء إضافي على دافعي الضرائب الأميركيين، الذين يمولون من جيوبهم مغامرات تل أبيب العسكرية وسياساتها الاستيطانية.
الحقيقة المُرّة
الواقع الأكثر إيلاماً عندما نعلم أن العرب، عبر استثماراتهم الهائلة في الاقتصاد الأميركي، يموّلون بشكل مباشر خزينة واشنطن، التي بدورها توفّر المليارات كمساعدات عسكرية لإسرائيل. وبذلك تصبح الصواريخ التي تُطلِقها تل أبيب على غزة، أو الغارات التي استهدفت الدوحة نفسها، مدفوعةً سلفاً من أموال العرب والخليجيين! إنها مأساة هزلية: العرب يموّلون، أميركا تُحوّل، وإسرائيل تضرب وتدمّر وتبيد!
المعادلة باتت فاضحة ، العرب يستثمرون الترليونات في أميركا دون أن يحصلوا على حماية أمنية حقيقية، فيما إسرائيل لا تستثمر شيئاً، لكنها تنال كل أشكال الحماية والدعم اللامحدود . بل وتحصد القدرة على قصفنا بأموالنا نحن.
إنها السياسة الأميركية في أقذر وأوقح صورها… دعمٌ مطلق لتل أبيب، واستخفافٌ واضح بالحلفاء العرب مهما بلغت قيمة استثماراتهم.
فهل آن للعرب أن يسألوا أنفسهم ماذا جنت استثماراتهم سوى المزيد من المهانة والارتهان؟ يضعون الترليونات في جيوب واشنطن، فتُحوِّلها إلى مساعدات لإسرائيل، فتشتري الأخيرة بها الصواريخ… ثم تقصفنا بها!
يا لها من سخرية بلا قعر…
العرب يدفعون،
أميركا تدعم وتُمرِّر،
وإسرائيل تقصف…
وفي الأخير، يخرج علينا روبيو ليقول: “لسنا راضين”! ثم يسارع إلى “حائط المبكى” ليستغفر نتنياهو من هذا الإثم العظيم!